&عبدالله جمعة الحاج

في أعقاب استقلال دولهم، تعلم الأفارقة أن يكونوا حذرين من ضلوع الخارج في شؤونهم، وربما أنهم يتبنون هذا الحذر بسبب منطقي؛ ففي ظل غياب الروابط الواضحة بين معظم دول أفريقيا جنوب الصحراء ودول العالم الأخرى، سوى الدول الأوروبية التي كانت تستعمرهم، فإن أي توجه جديد لأية دولة نحو أفريقيا سيتسم بشكل أكبر بمصالح قصيرة الأمد، أو على مبادئ ذات صيغة دائمة حقيقية والتزامات راسخة، وينطبق هذا وبكامل تفاصيله، على علاقات الإمارات بالدول الأفريقية. لذلك فإن توجه الإمارات نحو القارة السمراء، ربما يتسم بعدم الرغبة في البداية، وربما يرتبط بتوجهات أطراف أخرى تجمع الإمارات بها المصالح. إن مثل هذا التوجه سيكون حتماً طارئاً، دون أن تتلوه متابعة حقيقية.

وبالنتيجة، فإن توجهات الإمارات نحو أفريقيا في هذه المرحلة قد تفصح عن أفكار يمكن فهمها بدقة والبناء عليها للمستقبل محورها الرغبة في الاستثمار، والحرب على الإرهاب، ونبذ العنف والتصفية العرقية، واحترام حقوق الإنسان، وهي طروحات وأفكار من السهل الالتزام بها وتنفيذها من جانب الإمارات على الصعيد العملي.

والمعروف عن توجهات الإمارات نحو أفريقيا أنها قامت، منذ أن دشنها المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته، على عدم التدخل في شؤون الدول، ودعم شرعية الحكومات القائمة التي تدعم مصالح الإمارات الاقتصادية والتجارية، بغض النظر عن سلوكياتها الداخلية والإقليمية. وبشكل عام، فإن توجهات الإمارات نحو أفريقيا لم تتغير كثيراً على مدى السنوات الخمس والأربعين الماضية، فهي قائمة على نفس المنهج القويم الذي تم التأسيس له منذ البداية.

وربما أن الأحداث العالمية المتغيرة، منذ انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي السابق، كان لها تأثيرها على توجهات الإمارات نحو أفريقيا، لكن ذلك لايعني أن الإمارات تبنت في يوم ما سياسات من شأنها أن تعرقل من تطور علاقاتها بأفريقيا نحو الأفضل. وبأخذها في المجمل، يلاحظ بأن توجهات الإمارات وبرامجها وأولوياتها تبدو مصممة لكي تخرج بنتائج إيجابية تعود بالفائدة على الجميع. ووفقاً لما يقرأه المرء من تلك التوجهات، يلاحظ وجود أعمدة راسخة بناءة غرستها الإمارات بكل ثبات وقوة، وتقوم على مجموعة مبادئ رئيسية هي: المساعدة على بناء دول أفريقية قوية ومستقرة، ودعم التنمية الاقتصاية والاجتماعية، والإسهام في مكافحة الأمراض الفتاكة ومشاريع الصحة العامة، والمساعدة في القضاء على الحروب الأهلية وحروب الإبادة الجماعية والصراعات المسلحة، وتخفيف معاناة وآلام الشعوب، وطرق كل التحديات الطارئة، وحل المشاكل المرتبطة بها من أجل سلامة الشعوب، وأخيراً مكافحة الإرهاب والتطرف بكل أشكاله وصوره.

تلك هي الأهداف التي يقوم عليها التوجه الإماراتي نحو أفريقيا. وفيما مضى من سنوات، كانت التوجهات - ولازالت- قائمة على تقديم المساعدات الاقتصادية والمنح المالية، عبر مشاريع مكافحة الفقر والجوع والجهل والمرض، وعلى المبادرات المستقبلية ذات البرامج الموجهة نحو الفئات الضعيفة من المجتمعات الإفريقية، لأنها الفئات الأكثر تضرراً، في نفس الوقت الذي يتم فيه دعم البرامج التي تهدف إلى التنمية الزراعية والاقتصادية والصناعية والقضاء على الفساد المالي والإداري والاستغلال السيئ للموارد الطبيعية.

إن التوصية التي يمكن الخروج بها من هذا الطرح، هي أن تبادر دولة الإمارات ما استطاعت لتبني هذا النمط من المشاريع الأساسية والالتزام بذلك التبني، ففي ظل غياب ذلك ستظل شعوب أفريقيا تعاني الأمرين من الظروف الطبيعية والكوارث المتلاحقة، والحروب الأهلية الطاحنة، والجوع والفقر المدقع، وغياب برامج التنمية الحقيقية، وفساد النخب، واستغلال الأجانب وجشعهم. إن الرهان على أفريقيا لايمكن أن يكون خاسراً، فهو مستقبلي، وليس آنياً، لأن ثروات العالم الطبيعية التي لم تستغل بعد معظمها قابع في هذه القارة، والرهان على المستقبل أثبت أنه لم يكن خاسراً في يوم من الأيام.