&سامر سليمان

يسعى عرض «نساء في مصر» لاستعادة شذرات تراثية من تاريخ المرأة المصرية عبر بانوراما زمنية شديدة الزخم والتنوع. فمن العصور الأولى لحتشبسوت (الملقبة بروح رع)، الفرعون الخامس من الأسرة الثامنة عشرة والتـــي حكمت مصر القديمة قبل الميلاد، وهيباتيا الرومانية السكندرية أول عالمة رياضيات بالعالم، مروراً بالأميرة فاطمة إسماعيل، إحدى بنات الخديوي إسماعيل والتي بنت جامعة القاهرة وتبرعت بجواهرها الثمينة لتوفر السيولة المالية، ووافتها المنية قبل أن ترى صرح الجامعة وقد شيد، ومن ثم هدى شعراوي التي كانت أول مصرية تكشف وجهها أثناء ثورة 1919 وتعبّر عن آرائها وآراء جيلها بحرية ضد الاحتلال الإنكليزي وصولاً إلى عالمة الذرة سميرة موسى الملقبة بمس كوري الشرق، والتي تمكنت من تفتيت معادن رخيصة لصناعة قنبلة ذرية من مواد في متناول الجميع.

30 راقصاً وراقصة نجحوا توافقياً وأدائياً في حركاتهم وطيران أجسادهم وتزامن وصولها إلى الأرض، لتبث في المتلقي طاقة أثيرية تموج فيها الألوان (بفعل الإضاءة) وتتلاشي ومن ثم تعود لتتشكل مجدداً، حيث نجحت تشكيلات الإضاءة ما بين خفوت وتوهج لتخدم العرض درامياً فتضيء على كثير من حكايات المرأة وتعكس جانباً درامياً من تمردها على واقعها الذي تعيشه، وتمردها على العادات والتقاليد، وتعنت المجتمع الذكوري وإنكاره لقدراتها ورؤاها وتصوراتها وتفاعلاتها الحيوية وعوالمها الداخلية وهواجسها. احتفى العرض بنضال المرأة المصرية المستمر على مدى العصور وكفاحها درامياً وموسيقياً وكيروغرافياً، وما بين إيماءات الرقص ودفقات الموسيقى وإيقاعات الصوت وتغيرات السينوغرافيا المتقنة، شكّل العرض محطة تأمل استثنائية في رحلة طويلة امتدت وما زالت في أفق هموم المرأة العربية بعالمنا المعاصر.

يبدأ العرض في أحد الفصول الدراسية، حيث تتولى فتاة الإشراف على زملائها الذين يسخرون منها فيبدأ المعلم في شرح مكانة المرأة ودورها في المجتمع المصري، مستعرضاً نجاحات شخصيات نسائية، أبدعت في رسم ملامح جزء كبير من تاريخ مصر القديم والحديث.

اللافت في العرض، الجهد المميز في إبراز صور تاريخية واستعادتها من مكامنها التراثية، إضافة إلى صور سينوغرافية مميزة جالت بالمتلقي في أكثر من زمن لتمكنه من ترجمتها من صورتها الذهنية المركبة إلى صورة بصرية متزنة لحد كبير.

اختار طارق حسين مخرج العرض الشخصيات الخمس ليدمج بينها، ومن ثم يعيد تشكيلها ليعرضها في هيئة لوحات استعراضية راقصة ولوحات ضوئية موسيقية يعيد صياغتها كيوغرافياً من شخصية إلى أخرى، معبراً عن المرأة المصرية في جميع حالاتها فهي رئيسة دولة وعالمة رياضة وعالمة فيزياء وسياسية ثائرة.

ويؤكد حسين أن التاريخ المصري حافل بأمثلة لنساء قادرات مقتدرات وصلن لأعلى المناصب ونجحن بفضل قــوتهن وذكـــائهن في امتلاك حكم مصر، فمنهن من تقلد حكم مصر ومنهن من حقق نجاحات علمية وفنية خيالية في الحقب الزمنية كافة وعلى امتداد التاريخ لا يخلو عصر من امرأة مصرية بارزة وفي العرض السيدات الخمس جمع بينهن نضالهن ضد تعنت المجتمع الذكوري، وتكريسهن لواقع المرأة الحر رغماً عن المجتمع بعاداته وتقاليده وذرائعه وحججه الواهية. يهتم مخرج العرض الشاب بالتراث بما فيه من تفاصيل المصريين وما تحمله من دقائق التاريخ وإيجابيات الحياة.

وعن الفرقة، يقول: «تأسست عام 2009 لاستلهام التراث المصري والعربي، وإعادة صياغته فنياً من خلال تصاميم حركية مبتكرة، تحمل صبغة شعبية ودرامية وتاريخية»، لافتاً إلى نجاحها من خلال عروض متنوعة في تحقيق قاعدة جماهيرية. وانضمت الفرقة لفرق دار الأوبرا المصرية أخيراً وشاركت في العديد من المهرجانات الدولية والعربية.