محمد مجاهد الزيات&

يُقصد بالحوار الاستراتيجى فى أبسط معانيه، ذلك الحوار الذى يجرى بين دولتين أو أكثر بخصوص القضايا ذات الأهمية الإستراتيجية التى ترتبط بمصالح أطراف هذا الحوار، وذلك بهدف التوصل إلى رؤى ومواقف مشتركة من تلك القضايا والسعى لتوفيق المواقف بخصوصها، ويسعى مثل هذا الحوار إلى تحقيق العديد من الأهداف التى من بينها استيعاب تباين الرؤى بخصوص القضايا التى تمس مصالح وسياسات كل طرف والاتفاق على حد أدنى من الرؤية المشتركة للتعامل مع تلك القضايا بما يسمح بتعدد مسارات التعامل وبما لا يؤثر سعى طرف لتحقيق مصالحه على مصالح الطرف الآخر.&

انطلاقاً مما سبق، وفى ضوء زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز للقاهرة وما هو متوقع من إجراء القيادة السياسية فى البلدين محادثات مكثفة لتطوير العلاقات الثنائية بشكل متكامل فى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والتنموية، وكما هو متوقع أن تشمل المحاولات تطورات الأزمات المشتعلة فى المنطقة خاصة السورية واليمنية والليبية وصياغة موقف مشترك من تطوراتها. فى ضوء ذلك كله تزداد الحاجة إلى بلورة منظومة للحوار الإستراتيجى بمعناه الذى سبق إيضاحه بين مصر والسعودية، هذا الحوار لكى ينجح ويتمكن من تحصين العلاقات الثنائية بين البلدين من أى شكوك أو محاولات للتأثير عليها يجب أن تهتم دوائر اتخاذ القرار المعنية بذلك بعدد من الاعتبارات المهمة التى من بينها أن تحالف مصر مع دول الخليج والسعودية بمنزلة المركز فى هذا التحالف، ليس اختياراً أو ترفاً تمارسه أطراف هذا التحالف، بل إنه الدائرة الإستراتيجية الأولى لحركة تلك الأطراف لمواجهة التحديات والمخاطر التى لا تواجه النظام العربى فحسب بل تمس المصالح والأمن القومى لهذه الدول. وهو الأمر الذى يجعل من هذا التحالف ضرورة يجب علينا السعى لتحقيقها.كما أن هناك من التحديات والمخاطر التى تزايدت فى الفترة الأخيرة فى المنطقة سواء داخلية أو إقليمية ودولية تمس جميعها دول هذا التحالف بصورة كاملة وهى تتطلب نوعاً من التنسيق وتوحيد الرؤى «بقدر الإمكان» ولو على قاعدة الحد الأدنى لمواجهة واستيعاب سلبياتها. مثل هذا التحالف لا يتطلب بالضرورة توحيد الرؤى أو التطابق الكامل للمواقف خاصة مع تباين مخاطر الأزمات المفتوحة ومدى أولوياتها بالنسبة لكل طرف، وهو ما يتطلب تفهم الأطراف الأخرى لذلك دون أن ينسحب ذلك على العلاقات الثنائية أو بنية هذا التحالف. وإذا ما تحدثنا ترتيباً على ما سبق، وبكل وضوح على الملفات المسكوت عنها فى العلاقات المصرية السعودية والعلاقات المصرية الخليجية بصفة عامة فمن المهم الإشارة إلى أن السعودية ودول الخليج وقفوا موقفاً مشرفاً من ثورة 30 يونيو ولا تزال المواقف المشرفة للمغفور له الملك عبدالله ووزير خارجيته المرحوم سعود الفيصل، وكذلك مواقف دولة الإمارات بصفة خاصة، يقدرها الشعب المصرى وقيادته. كما أن استمرار هذه المواقف الداعمة لمصر اقتصاديا لا يزال فى حدوده الإيجابية وإن كانت المواقف السياسية «خاصة تجاه بعض الأزمات» مثل الأزمة اليمنية والسورية قد شهدت نوعاً من تباين الرؤى والمواقف لا ينسحب على الرؤية الإستراتيجية منها ولكن على تطوراتها والصيغ المطروحة لحلها وهى قضية تحتاج إلى حوار مباشر ومفتوح يبنى على أرضية وإطار التحالف ويكفل تفهم مبررات كل طرف على قاعدة تحقيق المصالح الإستراتيجية المشتركة لأطراف هذا التحالف.

&التقارب السعودى التركى، والذى يستهدف فى جانب منه موازنة التحركات والنفوذ الإيرانى خاصة فى المشرق العربي، لا يتفق مع السياسة المصرية بهذا الخصوص، خاصة فى ظل السياسة العدائية التركية للدولة المصرية وقيادتها السياسية، وإذا كان هناك حديث وتقارير متعددة عن سعى سعودى لتهدئة الاحتقان فى العلاقات المصرية التركية فإنه من الضرورى هنا أن يرتكز التقارب السعودى التركى على تحقيق إنجاز فى هذا المسعى السعودى لوقف السياسة العدائية التركية تجاه مصر، حيث يؤثر ذلك بصورة كبيرة على التحالف المصرى السعودي.&

الموقف من إيران يحتاج إلى مزيد من الوضوح المصري، حيث تعتبر السعودية ودول الخليج أن الممارسات الإيرانية فى الخليج والعراق وسوريا واليمن تهديداً واضحاً للأمن القومى العربى والخليجي، وفى ظل الإلتزام المصرى بدعم الأمن فى الخليج واعتباره جزءاً لا ينفصل عن الأمن القومى المصري، يحتاج الأمر إلى تحديد مصرى أكثر وضوحاً من التهديدات الإيرانية بهذا الخصوص ويجب ألا ننسى على هذا المستوى التحركات الإيرانية فى البحر الأحمر ودول حوض النيل التى تستهدف فى جانب منها الأمن القومى المصري. إذا كانت الممارسات الإيرانية قد عمقت من الطرح المذهبى بصورة كبيرة سواء البحرين والعراق او سوريا أو اليمن وأن ذلك مثل تهديداً مباشراً للأمن القومى السعودى والخليجى بصفة عامة وبالنظر إلى أن الحس الطائفى فى مصر ضعيف مقارنة بتلك الدول، إلا أنه من الضرورى تقدير أبعاد هذا الطرح ورفضه على مستوى المنطقة بصفة عامة ومناقشة ذلك بوضوح.&

ما هو الموقف من القوة العربية المشتركة والذى تبنته القمة العربية الأخيرة، وهل يعتبر التحالف العسكرى الإسلامى بديلاً عنها، مع ضرورة تحديد واضح لأهداف وآليات واستراتيجية هذا التحالف ودور كل طرف مشارك فيه خاصة مع تباين رؤى بعض الدول الكبرى المشاركة بخصوص المخاطر والتهديدات التى يتعين عليه مواجهتها ودور كل منها فى المشاركة فيه خاصة باكستان وتركيا.

&السياسة القطرية تجاه مصر، تبقى إحدى العقد التى تحتاج إلى حل، ولا تزال تؤثر سلبياً على مستقبل التحالف المصرى الخليجي، وبالتالى من الضرورى إجراء حوار حول التعامل مع هذه العقدة. كما أن الموقف من الإخوان المسلمين كتنظيم دولى ومحلى تأثر كثيراً بتغيير الموقف السعودى نسبياً منه وهو أمر يحتاج إلى تفهم مبررات الموقف المصرى بهذا الخصوص وارتباط ذلك بعناصر الأمن القومى المصرى.

&وإذا ما انتقلنا إلى آلية هذا الحوار الإستراتيجى فمن الضرورى الإشارة إلى أن هذه الآلية لا تتوقف عند أدوار القيادة السياسية فى البلدين أو دوائر صنع القرار الرسمية ولكن يجب أن تتسع، ليصبح هذا الحوار استراتيجياً فيما تتبادله من قضايا، وكذلك فى مشاركة كل القوى والهيئات الرسمية وغيرها لتكون الرؤى المشتركة مدروسة وأكثر تحصينا وثباتا ولا تهزها مواقف صحفية أو إعلامية أو تصريحات بعض الأفراد. ويجب أن تشمل هذه الآلية للحوار مختلف الدوائر المعنية والمسئولة سواء الرسمية أو غير الرسمية، فإذا كان مجلس التنسيق الذى يعقد دورياً ويرأسه أحياناً السيد رئيس الوزراء أو السيد ولى ولى العهد السعودى أو دبلوماسية القمة بين السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، إلا أن الأمر يحتاج إلى مشاركة دوائر أوسع. فعلى سبيل المثال، يحتاج الأمر بالتوازى مع الاجتماعات الرسمية على اختلافها لقاءات تتزامن معها ويمكن أن تشمل مراكز الدراسات المتخصصة فى كلا البلدين وممثلين لهيئات الإستثمار وغرف التجارة والصناعة وممثلين للصحف الرسمية فى كلا البلدين ومنتديات من كبار الخبراء والمتخصصين بحيث تتزامن مع تلك اللقاءات وترسى أرضية تفاهم مشترك وتغلق الباب أمام مقالات أو تصريحات أو مواقف غير مسئولة خاصة ببعض ممن يدعون أنهم قريبون من دوائر صنع القرار ويسببون بذلك الكثير من الحساسية فى علاقات البلدين. وإن السعودية دولة مركزية ومصر ركيزة الأمة العربية وكلاهما يحتاج الآخر، فالتحالف المصرى الخليجى يمكن أن يكون منطلقاً لتغيير التوازنات الإقليمية بما يحقق المصلحة للنظام العربى والأمن القومى العربى بصفة عامة.

&