&وحيد عبد المجيد

يتولى الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط مهامه في يوليو القادم، بينما علامات الاستفهام تزداد أمام السؤال المطروح منذ سنوات عن جدوى بقائها. فقد دُق ناقوسا خطر جديدان بشأن حالة العمل العربي المشترك. طلب الأمين العام الحالي نبيل العربي عدم تجديد ولايته، دون أن يجهر بما انتابه من إحباط، لكن إغفال دلالة طلبه هذا، وانتخاب خلف له كما لو أن الوضع طبيعي، ربما يعني أن أعضاء الجامعة باتوا مسلِّمين بأزمتها. كما كان اعتذار المغرب عن عدم استضافة القمة العربية في نهاية الشهر الجاري ناقوس خطر ثان. صحيح أنها ليست المرة الأولى التي تعتذر فيها دولة عربية عن استضافة قمة، غير أن الوضع هذه المرة مختلف، ولا يوجد ما يدل على أنه قد يكون أفضل عند انعقاد القمة المؤجلة في 27 يوليو في نواكشوط.

ليست المشكلة في الخلافات الموجودة بين الدول العربية منذ إنشاء الجامعة، فالخلاف في تقدير هذا الموقف أو ذاك أمر طبيعي، فضلاً عن أنه يمكن أن يكون مصدر ثراء وقوة. وحتى عندما يؤدي الخلاف إلى انقسام، كما حدث مرات خلال العقود السبعة الماضية، كان ممكناً الحفاظ على حد أدنى من العمل المشترك. ووصل الانقسام في إحدى الحالات إلى تجميد عضوية أكبر دولة عربية بعد توقيعها معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، ونقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس، كما كان الانقسام بالغ الحدة بشأن كيفية التعامل مع الغزو العراقي للكويت عام 1990.

لكن الجديد الآن هو أن الخلاف في تقدير بعض الأمور وصل إلى مستوى التناقض. خذ مثلاً الخلاف على تقدير عواقب بسط إيران نفوذها بدرجات متفاوتة على أربع عواصم عربية. لم يكن لمثل هذا التطور أن يثير خلافاً حول كيفية مواجهته قبل أقل من عقد واحد. لكنه صار موضوعاً لخلاف في الوقت الذي لا يبدو في الأفق القريب والمتوسط ما يتيح إنقاذ سوى واحدة من العواصم الأربع، وهي صنعاء.

ورغم وجود تحالف عربي يضم عشر دول في معركة إنقاذ اليمن، فالواقع أن دولتين فقط منها تتحملان أعباء هذه المعركة. وعندما يحدث ذلك في الوقت الذي تقف دول عربية متفرجة على تمزيق خرائط دول أخرى، فهذا يعني ضعفاً في إدراك الخطر الذي يهدد العرب جميعهم.

وهذه حالة جديدة تعبِّر عن فقدان روح العمل المشترك. وعندما نستعيد ما حدث في الأعوام الأخيرة، ربما نكتشف ما لم نتبينه في حينه، وهو أن هذه الحالة بدأت في الظهور عقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، لكنها لم تكن سافرة لأن الدول العربية كانت قادرة حتى ذلك الوقت على التعبير عن مواقف لفظية. فقد جمعها كلام مشترك عن رفض الغزو والتنبيه إلى عواقبه الوخيمة. وكثيراً ما اكتفى العرب بمثل هذا الكلام تجاه قضاياهم. لذلك صارت عبارة «أقوال بلا أفعال» شائعة ومعبرة عن الحالة العربية.

لكن ما حدث منذ احتلال العراق وحتى اليوم أبعد من ذلك. فقد أصبحت الأقوال تفتقد الروح، ولا تفتقر فقط إلى الأفعال. والفرق هو أن الكلام المشترك الذي يُقال اليوم قد يؤدي إلى أفعال غداً مادامت فيه بقية من روح. وكان هذا مصدر الأمل على مدى عقود في تفعيل العمل المشترك. أما حين يفتقد هذا العمل الروح، فيصبح أقصى المبتغى هو كلام مشترك بدون تحفظات، على النحو الذي حدث في الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب.