&محمد خلفان الصوافي

أثبتت تصريحات جون كيري، وزير الخارجية الأميركي في البحرين عندما قال: إيران تزعزع الاستقرار في المنطقة، أثبتت تلك التصريحات أن أي حلول دولية لقضايا المنطقة بدون مشاركة جميع الدول فيها، لا تعني بالضرورة أنها انفراجات نهائية لأزمات كبيرة، فغالباً ما تكون تلك الحلول عبارة عن مساومات لمصالح متبادلة، وبالتالي سريعاً ما تتكشف خيوط تلك الاتفاقات السرية عند الاختلاف أثناء تنفيذ بنودها.

ويفسر المراقبون تكثيف الإدارة الأميركية نشاطها السياسي في منطقة الشرق الأوسط حالياً، حيث من المنتظر أن يشارك الرئيس الأميركي باراك أوباما في القمة الخليجية القادمة التي ستُعقد في 21 أبريل الجاري بالرياض، بالنظر إلى وجود اختلافات عميقة بين الإدارة والنظام الإيراني حول تنفيذ بنود الاتفاق النووي المبرم بينهما، خاصة في ناحية «تمكين» إيران سياسياً في المنطقة، وذلك بعدما أثبتت السياسة الخليجية بأنه لا يمكن أن تتم أي صفقة سياسية في المنطقة دون أن تضع في الاعتبار باقي الأطراف الإقليمية الأخرى، وإلا بقيت الاتفاقية «هشة»، وهذا ما أثبتته تطورات الأوضاع في المنطقة بعد انقضاء عدة أشهر على الاتفاق النووي.

وإذا كان تصور الإدارة الأميركية قد تلخص في أن إيران يمكن أن تكون «المنقذ» من كل الأزمات السياسية في المنطقة، بمجرد توقيع الاتفاق مع الولايات المتحدة، وقد تناست عمداً بأن نظام الملالي هو جزء من هذه المشاكل والأزمات ولا يمكن تبرئته منها لمجرد أن بعض الفاعلين في هذه الأزمات ليسوا تابعين لإيران من حيث الجنسية، مثل «نمر النمر» في السعودية و«نصرالله» في لبنان، أو طائفياً مثل تنظيم «داعش» في العراق وسوريا أو «طالبان» في أفغانستان وباكستان.. فإن هذا التصور كان عاملاً مهماً في استدعاء التصميم الذي أبداه ويبديه أهل الخليج كي يتحول الأمر إلى البحث عن الفرص المتاحة في السياسة الدولية للحفاظ على دولهم، وبالتالي تحولت مواقفهم مع الحليف الاستراتيجي (واشنطن) إلى سياسات حازمة قد تتسبب للولايات المتحدة في خسارة الكثير من مصالحها في المنطقة، لاسيما أن إيران حليف لا يمكن الوثوق فيه.

لهذا يمكن القول بأن الزيارتين هما محاولة لتأكيد جدية العلاقة الخليجية الأميركية والرغبة في استمرار الاستثمار فيها بدلاً من سياسة الاستخفاف التي جاءت بها صفقة الاتفاق النووي، حيث تغافلت الإدارة الأميركية عن حقيقة أن إيران هي السبب في أزمات المنطقة من خلال صناعة الميليشيات والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.

وعملياً الجانبان الأميركي والإيراني، في سعيهما للتقارب السياسي، يتصرفان طبقاً لمصالح دولهما الوطنية، وهذا أمر طبيعي لكل إدارة سياسية في أي بلد، إنما التلاعب العاطفي سواء من قبل إيران التي تدعي الخلاف مع واشنطن كي تكسب تأييداً إسلامياً وعربياً، فإنه سبب رئيسي لمشاكل أمنية، أو من قبل الإدارة الأميركية التي تدرك أن إيران هي السبب الرئيسي في كل المشاكل والقلاقل الحادثة في المنطقة، وبالتالي ينبغي أن لا يمر أي ترتيب يتم إجراؤه في المنطقة على الخليجيين مرور الكرام، لأنه سيكون على حساب مصالحهم.

التحركات الخليجية عالمياً جعلت الأميركيين يعيدون النظر في مَن هو الحليف الاستراتيجي الحقيقي، وبالتالي يحاولون الإسراع في إعادة التأقلم مع الخليجيين الذين تحركوا هم أيضاً وفق مصالحهم الاستراتيجية مع القوى المنافسة للسياسة الأميركية في العالم.

واقعية الإدارة الأميركية التي تمثلت في دبلوماسية قلب صفحة العداء الأميركي مع إيران، اصطدمت بالخبث السياسي الإيراني القائم على التهرب من الالتزامات الدولية، وبالتالي فقد اضطرت الإدارة الأميركية للاعتراف بالفشل في مساعيها إلى إعادة إيران لتكون دولة طبيعية في النظام الدولي والإقليمي.

وهنا يتعين أن نلاحظ أن مناقشة الملف النووي بعيداً عن الطموحات الإيرانية في المنطقة، هي بالنسبة لطهران إما موافقة أميركية على استمرار التدخلات الإيرانية في دول المنطقة، وهو سلوك ترفضه دول الخليج كلياً وقد وقفت ضده، وفقاً لما يتطلبه الحفاظ على استقرارها.. وإما أنه تطبيق لسياسة أميركية هدفها الإيقاع بالنظام الإيراني ودفعه للوقوع في شر أعماله، كما حصل مع نظام صدام حسين في العراق عندما غضت أميركا الطرف عن دخوله الكويت، فكانت النتيجة انهيار ذلك النظام.

المهم أن إيران تبدو مرشحة لأن تشهد فوضى داخلية بين الإصلاحيين والمتشددين المدعومين من المرشد الأعلى، وبالتالي العودة إلى مرحلة التأزيم السياسي العالمي التي كانت في عهد أحمدي نجاد، أي «البعبع الإيراني» الذي تخيف به واشنطن استقرار المنطقة والعالم، على غرار ما يعرف حالياً بظاهرة «ترامب»، المتسابق على ترشيح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة.