&فيصل جلول

ينطوي الإعلان عن إنشاء جسر بري يربط بين مصر والسعودية على حدث بالغ الأهمية لأنه يدخل في تصنيف الأحداث التاريخية التي قد تغير أشياء كثيرة في حياة أهل المنطقة، ونعني بذلك عرب آسيا وعرب إفريقيا. يذكر أن الملك سلمان بن عبدالعزيز كان قد أعلن في اليوم الثاني من زيارته الرسمية الأخيرة لمصر، أنه اتفق مع الرئيس عبدالفتاح السيسي على تشييد جسر بري يربط بين البلدين.

ليست كلفة المشروع عصية على التقدير، خصوصاً أن الأرقام المتداولة تتحدث عن 3 إلى 4 مليارات دولار، وعن زمن تقريبي لإنجازه يتراوح من 3 إلى 7 سنوات، وهذه الأرقام التقديرية نشرتها في وقت سابق مصادر يابانية ومصادر كويتية وغيرها كانت ترغب في الدخول في مناقصات بنائه.

وقبل الإشارة إلى أهمية الجسر الاستراتيجية الفائقة، لا بد من العودة إلى الوراء قليلاً، للحديث عن خط أو خطوط سيره المتوقعة والتي تقدر بـ 23 كلم في إحدى الدراسات و50 كلم في دراسات أخرى، وبالتالي يختلف توقيت قطع المسافة بين البلدين عليه من 20 دقيقية إلى ما يناهز الساعة. ففي الحالة الثانية يجري الحديث عن جسر فوق البحر يتجاوز جزيرتي تيران وصنافير ويصل سيناء بمنطقة تبوك، ويقدر طوله بخمسين كم. وفي الصيغة الثانية، يجري الحديث عن جسر من البر السعودي إلى جزيرة صنافير، وجسر آخر من هذه الجزيرة إلى جزيرة تيران، ومن تيران إلى الأراضي المصرية بواسطة نفق بحري على غرار النفق الذي يربط فرنسا ببريطانيا تحت المانش.

والراجح أن تكون الصيغة الثانية الأكثر قابلية للتطبيق، باعتبار أن المسافة بين تيران وسيناء هي مسافة ملاحة بحرية مفتوحة، وبالتالي فإن جسراً فوقها لا يتناسب مع قوانين الملاحة الدولية الأمر الذي جرى حله بواسطة نفق بحري.

تبقى مخاطر أخرى متصلة بجغرافيا المنطقة، وبخاصة منطقة الوادي المتصدع المعروفة بتعرضها الدوري لزلازل أرضية، ما يشكل خطراً على سلامة العبور فوق الجسور فيها، وعلى سلامة الملاحة البحرية الدولية، بيد أن اليابان المعروفة بتعرضها الدائم لخطر الزلازل هي التي اقترحت تنفيذ المشروع وفق أفضل شروط السلامة، ومن المتوقع أيضاً أن تكون التكنولوجيا اليابانية المضادة للهزات الأرضية قد صارت متداولة، ولم تعد حكراً على اليابان، ومعنى ذلك أن تجاوز العقبة الجغرافية متاح وليس مانعاً يتعذر تخطيه.

الخطر الآخر كان الرئيس الأسبق حسني مبارك قد تذرع به عندما أثير الموضوع أواسط العقد الماضي، حيث اعتبر أن المشروع يلحق أذى بالسياحة في شرم الشيخ، بسبب مرور السيارات والقطارات لأن المشروع ينطوي أيضاً على سكك حديدية، وقد اعتبر مبارك أن السياحة في سيناء أهم من الجسر فطويت صفحته. والبادي أن الرئيس السيسي لا يوافق على تقديرات مبارك بدليل أنه أبدى حماسة للمشروع وصلت إلى حد الطلب من السعوديين إطلاق اسم الملك السعودي عليه. إذاً لا خطر من هذا الجانب أيضاً، لكن ماذا عن «إسرائيل»؟

حتى الآن لا نعرف بالتفصيل الموقف «الإسرائيلي» من هذا المشروع، والقياس على ما سبق قد يكون مفيداً لكنه ليس حاسماً، فنحن نعرف أن «تل أبيب» قالت في إشارات عابرة عندما طرح المشروع في الثمانينات والتسعينات إنها لن تقبل به لأنه يهدد الملاحة «الإسرائيلية» في البحر الأحمر، وقيل أيضاً إن الأردن لديه التحفظات نفسها.

ولا نعرف اليوم أيضاً ما إذا كانت «تل أبيب» قد اعترضت مجدداً على المشروع، بعد أن اتضح أنه يمر تحت البحر بين سيناء ومضائق تيران. والواضح أن الاعتراض أن وقع لا يتناسب مع القانون الدولي ذلك أن الأراضي والمياه التي سيخترقها الجسر هي أراض ومياه عربية تابعة لمصر والسعودية وأن البلدين يحترمان الملاحة الدولية في المضائق. إن الصمت «الإسرائيلي» إزاء هذا المشروع، أو فلنقل عدم الاعتراض عليه، ربما يحمل هذا المعنى، وقد يحمل معنى آخر انتظارياً هذه المرة للاطلاع على كل التفاصيل، وربما يحسب الصهاينة أن تطبيقه متعذر اليوم كما في الأمس لأسباب عربية- عربية.

كائناً ما كان الاعتراض على هذا المشروع الاستراتيجي فهو قابل لأن يذلل بوسائل مختلفة، طالما أن فوائده عصية على الحصر، فهو يجمع عرب القارتين في آسيا وإفريقيا، ويفيد في تنمية الضفتين، وفي تخفيض كلفة السفر للحج أو للعمل للعابرين في الاتجاهين، ويسمح لشبه الجزيرة العربية بتعدد المنافذ ولجمهورية مصر العربية بتعزيز موقعها الاستراتيجي بعد قناة السويس، ويتيح تدفق اليد العاملة المصرية إلى سوق العمل الخليجي الواسع والمنافسة بشروط أفضل، فضلاً عن تدفق البضائع المصرية إلى السوق السعودية وتدفق سياح شبه الجزيرة نحو مصر بسياراتهم، الأمر الذي كان متعذراً للأغلبية التي لا تملك وسائل نقل بالطائرات والبواخر، هذا إذا أردنا حصر الحديث بمصر والسعودية، أما إن أردنا التوسع أكثر فهذا الرابط يمكن أن يكون منفذاً استراتيجياً لكل الدول التي تحتفظ بمصالح مهمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فالنقل سواء للأشخاص أو البضائع سيصبح متدني الكلفة وسيتيح حركة أوسع بما لا يقاس..

تبقى إشارة إلى أن جسر القارتين في تيران والصنافير، سيكون الثاني من نوعه بعد الإعلان المتكرر عن إنشاء «جسر النور» بين اليمن وجيبوتي.. في هذه الحالة سيقترب عرب آسيا وإفريقيا من بعضهما بعضا مرتين.. وسنكون على موعد مع التاريخ في محطتين.&