&&&شملان يوسف العيسى&

&انشغل العراق طوال الشهور الأخيرة بالمظاهرات الشعبية الكبيرة التي يقودها التيار الصدري وبعض القوى اليمينية واليسارية، وكانت مطالب الجميع سلمية تدعو إلى الإصلاح السياسي والقضاء على الفساد وتشكيل حكومة مدنية أغلبها من التكنوقراط لإصلاح الأمور، وقد وافق رئيس الوزراء العراقي الدكتور العبادي على تشكيل حكومة مصغرة.

السؤال الذي علينا طرحه: هل هناك فرصة للإصلاح في العراق؟ ومن سيقود هذا الإصلاح إن وجد؟ وهل يمكن تحقيق الإصلاح في وجود الأحزاب الطائفية الفاسدة نفسها؟ من أين سيأتي الإصلاح إذا كانت النخبة السياسية التي شكلت الحكومة السابقة لا تزال تصر على حصتها في الحكومة الجديدة للتكنوقراطيين.

كيف يمكن تحقيق الإصلاح إذا كان كل زعيم ديني لديه تصوره للإصلاح حسب منظوره الخاص، فرجل الدين مقتدى الصدر الذي قاد مظاهرات الإصلاح، وطالب بحكومة تكنوقراط، لديه ثلاثة وزراء من كتلته، وكثير من الوكلاء والمديرين وغيرهم في الحكومة، كما أن لديه 34 نائبًا في البرلمان.

عمار الحكيم، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، قدم أربعة مقترحات، كخريطة طريق للإصلاح، وهي تقديم بديل للوزراء الحاليين، والمطلب الثاني تقديم العبادي استقالته من رئاسة الوزراء، والمطلب الثالث تشكيل حكومة مستقلة، أو يستقيل من حزب الدعوة الإسلامي حتى يكون مستقلاً عن حزبه، وعمار الحكيم لديه 30 نائبًا في البرلمان وثلاثة وزراء وعشرات المناصب من وكلاء مساعدين ومديرين وغيرهم.

الأكراد لديهم مطالبهم الخاصة من الوزارة، حيث أعلن مسعود بارزاني عن حزمة إصلاحات لمواجهة الأزمة المالية التي يمر بها الإقليم جراء الحصار الاقتصادي الذي فرضته الحكومة عليهم، وانخفاض أسعار النفط، ومعظم إصلاحاته تتعلق بتعويض الأشخاص المحسوبين على حزبه.

يلاحظ أن معظم الأحزاب العراقية، والسياسيين في البرلمان والحكومة، كل همهم منصب على مصالحهم الخاصة، ومصالح أحزابهم وأعوانهم، ولا أحد منهم فكر في مصلحة العراق كبلد موحد، أو مصلحة شعبه الفقير والمشرد والجائع في بلد نفطي ينعم بموارد بشرية ونفطية هائلة.

الضغوطات على رئيس الوزراء العراقي لا تقتصر على السياسيين داخل العراق، بل امتدت للدول الخارجية، فالولايات المتحدة تضغط لتمرير تشكيلة العبادي الوزارية، وتحاول الضغط على الكتل السياسية من خلال المطالب التي حملها المبعوث الخاص للرئيس الأميركي بربت ماكفورك الذي وضع ثلاثة شروط، وهي بقاء العبادي رئيسًا للحكومة، وثانيًا في حالة تغيير العبادي فإن الولايات المتحدة ستعيد النظر في الحرب ضد «داعش»، وستقتصر مشاركتها في دعم إقليم كردستان في مواجهة التنظيم، والشرط الثالث عدم تجاوز العبادي للتكنوقراط السياسي الذي ترشحه الكتل السياسية.

واضح جدًا أن أميركا من مصلحتها بقاء الأوضاع المتردية في العراق كما هي دون تغيير، وهي تهدد بدعم الأكراد كسلطة مستقلة عن بغداد، فقط لأن الأكراد لديهم علاقات طيبة مع إسرائيل، ولديهم الاستعداد لمحاربة الإرهاب المتمثل في «داعش»، دون أن يعطوا أي اهتمام بإقامة دولة مدنية ديمقراطية بعيدة عن الطائفية والدين.

علينا أن نكون واقعيين ونعترف بأن السلطة الحقيقية بالعراق بيد قلة من أمراء الحرب ورجال الدين وزعماء الميليشيات المسلحة السنية والشيعية والأكراد ورؤساء الكتل السياسية المهيمنة على المشهد السياسي من خلال سياسة المحاصصة وتقاسم المنافع.

لقد ذكرنا في مقالات سابقة أنه لا يمكن أن يستقر العراق إلا إذا تم القضاء على سياسة التمترس الطائفي، وفي ظل المواطنة واستهداف المكونات الثقافية، دفع المجتمع العراقي إلى المزيد من التفتت والشعور بعدم الثقة، خصوصًا للمجموعات الأصغر التي سيعني استهدافها محاولة استئصالها أو تهجيرها.

ما يحتاجه العراقيون اليوم وضع دستور جديد يضمن العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص للجميع في دولة ديمقراطية تعددية بعيدة عن الدين والطرح الطائفي.

&

&

&