&&مطلق بن سعود المطيري

&في الإعلام الحقائق لا تكون حقائق بمجرد أنها صادقة، فموضوعية الاعلام موضوعية مهنية، أي يتم صناعتها بحرفية عالية لخدمة توجه الوسيلة الاعلامية ومالكيها، الموضوعية المهنية تعني ان تكون المعلومة او الخبر في الاعلام صادقا مهنيا، حيث يكون مصدر المعلومة معلنا، مع توفر مساحة زمنية او مكانية للرأي المخالف، ولكن ما هي صفة هذا المصدر؟

&الصفة المهنية يحددها الجمهور، والتحديد يعني ان يكون الجمهور مع المصدر او ضده، وترتفع مصداقية المصدر ان كانت صورة خصمه عند الجمهور تفيد بأنه ضعيف المصداقية بغض النظر عن الحقائق ومصداقيتها التي يقدمها للجمهور، فالمصدر إن كان طرفا في قضية خلافية يستفيد من هذه الصورة الضعيفة للخصم ويلعب على أوتارها لتسويق قناعات جديدة للجمهور تدعم وجهة نظره.

&في قضية تيران وصنافير في الاعلام المصري انقسمت الحقائق الى نوعين الاول حقائق قانونية وتاريخية، والحقائق الثانية مهنية وتاريخية، ففي مسار العدالة الحقائق القانونية هي من تفرض نفسها بقوة الحق والعدل، اما الحقائق المهنية فهي تعتمد بالاساس على الجمهور وان تقدم المعلومات المخالفة للحقائق القانونية باسلوب مهني لا يوقع صاحبه بمخالفة قانونية، أي الا تعرض وثائق مزورة، حتى لو ان التزوير لم يكن غائبا، فالتزوير في الحقائق المهنية ينتقل من الوثائق الى تفسيرها او اسلوب عرضها، وهذا التفسير يسمى رأيا مخالفا يُعطى مساحة لتقديمه، قضية تيران وصنافير بعد أن اعلن الدكتور والمفاوض الخبير مفيد شهاب كبير مفاوضي طابا التي رجعت للسيادة المصرية من العدو الصهيوني، فهذا الرجل للذي لا يعرفه هو أكثر شخص يعرف حقيقة هذه الجزر سواء على المستوى التاريخي او القانوني وحتى السياسي، اضافة الى تمتعه بمصداقية عالية عند كافة الطيف السياسي المصري، فقد اعطى هذا الخبير شهادته بهذه القضية: «الجزيرتان سعوديتان» بعد هذه الشهادة تغيرت وجهات نظر كثيرة كانت ترفض السيادة السعودية عليهما، فخضعوا لسلطة عقلهم الذي يميز الحق عن الباطل.

&

الجميل في هذه القضية ظهور العمق الحضاري للانسان المصري، فعندما يقف رجل بعلم وخبرة مع الرأي المخالف لسياقات التربية الوطنية التي تربى عليها الانسان العادي، فالتربية الوطنية في العالم العربي بجملة - ولا توجد دولة استثناء في ذلك – تعني ان الرضوخ للحق تنازل عن الكرامة وليس استجابة لصوت العدالة، ومن هذه العاطفة يستمد الاعلام مصداقيته المهنية، إن كان الجمهور غاضبا من مسؤول او قضية، يعمل الاعلام على حرق ضمائر الجمهور واعصابه، بمعلومات تشبه القنابل التي تسقط على الرؤوس، وان خسر الجمهور كل شيء عاد لرشده ولعن الاعلام والاعلاميين بقسوة، ولكنها عودة تبحث عن حرائق أخرى وليس عن حقائق صادقة، الا انه في قضية الجزيرتين نستطيع ان نقول ان العمق الحضاري لمصر هزم إعلام المعلومات المحروقة، فالحضارة هي تطهر من الجهل وثقافة العداوات العنصرية، فكانت مصر في الايام السابقة منارة للعدل والحضارة والحق.