&سالم سالمين النعيمي

كرة الثلج تتدحرج وتكبر كل دقيقة جراء عدم الرضا عن الاقتصاد، وأزمة اليورو وتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي واهتزاز الثقة في المؤسسات السياسية والوحدة الأوروبية والمشاعر المناهضة للمهاجرين وشبح الإرهاب والشعوبية وعداء تاريخي للإسلام وإعلام مسيس وموجه. فالأحزاب اليمينية الأوروبية المتطرفة تسحب البساط رويداً رويداً من تحت أقدام الأحزاب التقليدية والأحزاب المعتدلة في القارة الأوروبية وسوف تحكم أوروبا في العشرة سنين القادمة إذا ما استمرت الأوضاع على ما هو عليه الآن، والتي تصب في مجملها لمصلحة تلك الأحزاب وصعود نجمها بصورة غير مسبوقة وذلك عطفاً على نسبة النمو السنوي لتلك الأحزاب اليمينية المتطرفة، والتي اكتسبت بعداً تعبوياً شعبياً ليس له تفسير علمي، ولم يتوقعه كبار أساتذة العلوم السياسية وكبار المحللين السياسيين في القارة العجوز.

تلك الأحزاب نجحت في ركوب موجة تخويف وترهيب الناس من الآخر المختلف، وقامت باستغلال مخاوف الناس من مستقبل القارة الأوروبية في ظل المتغيرات الديموغرافية والجغرافية العقائدية والتنافسية الاقتصادية العالمية ونسبة النمو المطرد للسكان المهاجرين من خارج القارة الأوروبية ومن يدينون بالدين الإسلامي بالتحديد وبأن أسلوب حياة الأوروبيون مهدد من القادمين الجدد.

ومن الأمثلة على ذلك حزب «رابطة الشمال» في إيطاليا، الذي حصل على نسبة أصوات وصلت إلى أربعة أضعاف ما حصل عليه في عام 2013 وأضحى من الأحزاب الرئيسة في المعارضة الإيطالية حتى تحالف معه حزب يمين الوسط «فورتزا إيطاليا» بزعامة رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برلوسكوني، ليرفعان معاً مذكرة حجب الثقة إلى البرلمان بمجلسيه وعلى نفس المنوال تجد في الجمهورية الألمانية «حزب البديل من أجل ألمانيا»، والذي اخترق برلمانات ثلاث ولايات في انتخابات أجريت الشهر الماضي، وأعلن عن نيته منع الحجاب وعدد من مظاهر الإسلام في ألمانيا بعد أن حقق أفضل نتيجة لحزب يميني متطرف في الانتخابات الألمانية منذ الحرب العالمية الثانية، وأثبت قدرته على ترسيخ مكانته على الأرضية السياسية في ألمانيا.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل سيجبر هذا الحزب الحزبين «المسيحيين المحافظين» على التحالف معه، ولذلك لا غرابة أن ألمانيا تتخذ تدابير للحد من تدفق أعداد جديدة من اللاجئين إليها وتدرس آليات إعادة اللاجئين تدريجياً لبلدانهم الأصلية والأمثلة في أوروبا كثيرة، وتتصاعد كالنار في الهشيم في معظم دول القارة ولها حضور مؤثر في رسم خريطة أوروبا الجديدة كما هو الحال في الدنمارك أو السويد أو فلندا والنرويج وفرنسا وأوكرانيا والقائمة تطول. والتساؤل كيف أن ذلك الحراك لا يثير الشكوك والخوف في العالم الإسلامي ويحذره مما هو قادم من تحديات حتى أنه في دولة يعرف شعبها بأنه مسالم ومحايد، إلا أنه في انتخابات 2015، حصل الحزب اليميني «حزب الشعب الدنماركي» المتطرف على مقاعد كافية لجعله ثاني أكبر حزب في البرلمان، وهو الآن جزء من الائتلاف الحاكم ولا تقل خطورة الأحزاب التي تستخدم الدين المسيحي كغطاء لها في وجهة نظري عن تنظيمات الإسلام السياسي غير في طريقة الوصول لأهدافها حيث تعتمد على السياسة والإعلام والاقتصاد بدلاً من العنف المباشر.

ففي بريطانيا مثلاً أعلن الحزب الوطني البريطاني تعاطفه مع (أندرس بريفيك) مرتكب مذبحة الشباب في النرويج في 22 يوليو 2011، وسبب التعاطف هو مفهوم (فرسان الهيكل) أشهر فرقة مقاتلين في الحروب الصليبية وهي القدوة والمثال للعديد من الأحزاب المسيحية الديمقراطية التي فقدت معظم شعبيتها السابقة، ولكن أفرادها السابقين وجدوا ملاذاً لهم في الأحزاب اليمينية المتطرفة للحفاظ على مسيحية أوروبا والحد من عدد المهاجرين من الديانات الأخرى.

فمشكلة أوروبا أن الشباب فيها غير مهتمين بالسياسة، ومن يحدد شكل الحكومات فيها الطبقات الوسطى والقوميون والمحافظون وخاصة من المسيحيين والأحزاب اليمينية المتطرفة، فالتصويت في الحقيقة لا يعكس صوت الشعب وإنما من يشارك في التصويت من الشعب، وصحيح أن المجتمع مدني، ولكن مدنيته ألبست لباس العصور الوسطى مؤخراً، وكيف أن مضمون نظام معقد أصبح مرتبطاً بالسلوك الانتخابي، وذلك الشعور بالخطر من وجود المهاجرين، فالأوروبي مقتنع أن فوائد بلده يجب أن تذهب إلى الأوروبيين الذين ولدوا هناك، ودفعوا الضرائب هناك، وليس للقادمين الجدد، والأوروبيون يقاومون أسلمة الغرب، وهم قلقون أن مجتمعاتهم تتغير بسرعة جداً، وبروز خطر فقدان الهويات القومية التقليدية. ولا أعلم كيف يختلف العرب عن الأوروبيين في هذا الأمر؟