أحمد الغز& & &

بات من الواضح أن أمن العالم بأسره الآن يتقرر في الخليج العربي، مما يجعل من ظروف زيارة أوباما إلى السعودية ما يشبه عشية حرب الخليج العالمية الرابعة

لا نستطيع متابعة زيارة أوباما إلى الرياض إلا من خلال عرض السياقات الملازمة والموازية للزيارة، والإحاطة بتطور العلاقات السعودية- الخليجية- الأميركية خلال العقود الماضية، ومراجعة نقاط التوافق والتعارض في كل سياق، ومنها الأوضاع في سورية والعراق واليمن ولبنان وفلسطين وليبيا، وكل القضايا الساخنة والمدمرة لتلك الدول والمجتمعات العربية. تأتي زيارة الرئيس أوباما إلى الرياض في سياقات متعددة:

أولا، ثبات التحالف العربي من أجل اليمن عسكريا وسياسيا، وهي أول قصة نجاح عربية نحو التقارب والتكامل والتعاون في زمن التنازع والتقاتل.

ثانيا، تأتي هذه الزيارة بعد مناورات رعد الشمال العسكرية والإستراتيجية في تكوينها وأهدافها، وفي حفر الباطن على الحدود العراقية السعودية.

ثالثا، هناك الإعلان عن تشكيل التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب من تسع وثلاثين دولة، وتأتي الزيارة بعد القمة السعودية المصرية الإستراتيجية بآلياتها واتفاقاتها وأبعادها، وأيضا بعد أربعة أيام على القمة الإسلامية في إسطنبول، وإعادة تجديد أولوية قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، والدعوة إلى عقد مؤتمر دولي للسلام الذي بادرت باريس بالأمس إلى الدعوة إليه على مستوى الوزراء في 30 مايو القادم.

تأتي الزيارة أيضا بالتزامن مع القمة الخليجية- المغربية، والمغرب هي إحدى دول التحالف العربي في اليمن والتحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، والتي تواجه تحديات وحدة أراضيها بعد ما أثير دوليا حول الصحراء المغربية. ويعدّ هذا التزامن رسالة واضحة حول وحدة التراب المغربي والأمن العربي.

طبعا، أوباما القادم إلى الرياض له ميزاته الشخصية، وقد ترك بصمته على واقع العلاقات العربية الأميركية، والتي كانت لها آثار سلبية على دول التحالف العربي الأميركي، إلا أنها لا تغيّر كثيرا في مصالح أميركا العليا الإستراتيجية التي لا يستطيع أي رئيس أميركي أن يغيرها، وهذه المصالح تحددها الأرقام والحقائق ومعايير الربح والخسارة وسلامة الاقتصاد الأميركي الذي يقوم على قيادة أميركا للعالم عسكريا أولا، واقتصاديا ثانيا.

لا بد من متابعة هذه الزيارة من خلال التحولات التي تشهدها السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، وتحديدا بعد عاصفة الحزم، والذهاب بعيدا في المواجهة مع إيران على كل المستويات، وعلى امتداد الوطن العربي الكبير.

هذا يعني أن الرئيس أوباما يعلم جيدا أنه يقوم بزيارة ملوك وأمراء ودول ومجتمعات في حالة مواجهة شاملة مع من يستهدف أمنها ووحدتها وثقافتها وتاريخها واستقرارها.

سارعت الإدارة الأميركية إلى استباق هذه الزيارة بإعلان وزير الدفاع الأميركي قبل أسابيع، عن التفاهم مع ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي، حول توقيع اتفاقية إستراتيجة عسكرية متطورة وفعالة مع دول مجلس التعاون الخليجي، وهذا ما حدث قبل وصول أوباما بساعات.

يبقى السؤال: بماذا أجاب الرئيس أوباما عن الأسئلة الواضحة والمعروفة بالنسبة إليه حول سياسة أميركا في المنطقة خلال رئاسته بالذات وتحديدا موضوع العلاقة الأميركية الإيرانية، وآثار ذلك على الاستقرار في المنطقة، إذ أصبح كثيرون من العرب يعدّون أميركا شريكا لإيران في كلّ ما حدث ويحدث؟

إبان حرب الخليج الأولى، تم الكشف عما عرف حينها بـ"إيران غيت" وسياسة الاحتواء المزدوج الأميركية حين كان الجيش الأميركي مع صدام والمخابرات الأميركية مع طهران، ثم حرب الخليج الثانية، وعدم اعتراض السفيرة الأميركية ايبرل جلاسبي عندما أبلغها صدام نيته احتلال الكويت، والتي أدت إلى حرب عاصفة الصحراء وتحرير الكويت، ثم حرب الخليج الثالثة، واحتلال العراق وتفكيك دولته بناء على تقارير مزيفة حول وجود أسلحة دمار شامل، وصولا إلى عهد أوباما واتفاق أربيل الذي أعطى إيران كلا من العراق وسورية ولبنان، لتغطية انسحاب الجيش الأميركي من العراق.

يعرف أوباما جيدا أن التحالف الدولي لمحاربة "داعش" يضم أربعا وستين دولة، معظمها موجودة عسكريا في المنطقة وهي بقيادة أميركا، يضاف إليها دول التحالف الإسلامي العسكري من تسع وثلاثين دولة، إضافة إلى دول التحالف العربي في اليمن، أي أن ما يقارب مئة دولة تحشد جيوشها في منطقة الخليج وحول القمة الخليجية الأميركية الحالية.

ويعرف أوباما أيضا الاستعدادات العسكرية الإيرانية والروسية في سورية، ورغبتهم في تحويلها من ساحة نزاعات إلى ساحة حروب كبرى، مع عدم تجاهل إسرائيل.

ليست هناك خيارات كثيرة أمام الرئيس أوباما أو الرئيس القادم، لأن أميركا في صلب هذا النزاع الكبير الذي يهدد هيبتها قبل مصالحها. وبات من الواضح أن أمن العالم بأسره الآن يتقرر في الخليج العربي، مما يجعل من ظروف زيارة أوباما إلى السعودية ما يشبه عشية حرب الخليج العالمية الرابعة، لأن كل ما يحدث الآن هو نتيجة حروب الخليج الأولى والثانية والثالثة، وانسحاب أميركا لمصلحة إيران.

ودّع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ضيفه ليرعى غدا المؤتمر الدولي الذي ينظمه مركز الملك فيصل للدراسات الإسلامية والعربية "سعود الأوطان"، والذي يشارك فيه حشد كبير من الرؤساء والوزراء والمفكرين والإعلاميين والشخصيات العربية والإسلامية والدولية، والذي سأتشرف بحضوره أيضا.

ويحضرني الآن ما قاله الأمير سعود الفيصل "رحمه الله" في كلمته الأخيرة أمام مجلس الشورى "إننا لسنا دعاة حرب، ولكن إذا قرعت طبولها فنحن جاهزون لها".

&