‏ مبارك مبارك أحمد

شكلت الدعوات المطالبة بتبنى النظام الفيدرالى فى عدد من الدول العربية مثل سوريا واليمن ، وليبيا احدى المعضلات المعقدة التى تواجه وحدة الدولة الوطنية العربية وسيادتها على أراضيها، لاسيما أن الفيدرالية كنموذج للدولة المركبة،وان كان قد نجح فى نماذج وسياقات أخرى متطورة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، الا أن محاولات انتاجه فى الواقع العربى كحل لمواجهة تداعيات الصراعات التى انفجرت بعد اندلاع الربيع العربى على أسس من الهوية والمناطقية والمذهبية سيعمق من أزمة المجتمعات العربية فى ظل عجز الدول التى تطرح فيها صيغ الفيدرالية عن القيام بالوظائف الأساسية للدولة. وهو ما جعلها أقرب لمفهوم الدولة الفاشلة وفقاً لمؤشرات التقارير الدولية، فضلاً عن تجذر الولاءات التحتية فى ظل حاجة الفيدرالية الى مقومات داعمة اقتصادياً واجتماعياً،حتى لا تتحول مشاريع الفيدرالية الى محفزات للتقسيم والتجزئة.&

كان أحدث هذه المحاولات اعلان الأكراد فى شمال سوريا فى مارس 2016 عن تأسيسهم للنظام الفيدرالى فى المقاطعات الكردية الثلاث،عين العرب (كوباني) فى ريف حلب الشمالي،وعفرين فى ريف حلب الغربي،ومنطقة الجزيرة فى محافظة الحسكة (شمال شرق سوريا)،وهو التوجه الذى وجد صداه فى تصريح نائب وزير الخارجية الروسى سيرجى ربابكوف عن الجمهورية الفيدرالية كخيار مطروح فى سوريا.الأمر الذى دفع قوى سورية وطنية لرفض هذا التوجه باعتباره بداية لتقسيم الدولة على أسس مذهبية وعرقية.&

وفى ليبيا تنامت شعارات الفيدرالية على خلفية الانهيارات المتتالية التى أعقبت اسقاط نظام القذافى بعد تدخل حلف الناتو دون تبنيه مشروعا سياسيا لمرحلة ما بعد القذافي، وفى ظل غياب الدولة بمفهومها المؤسسى عن الخبرة الليبية ، فان دعاة الفيدرالية وجدوا مسوغات لتسويق أفكارهم وجدت طريقها للتطبيق المباشر على أرض الواقع عندما عُقد اجتماع باسم مؤتمر شعب برقة فى مارس 2012 تم فيه الاعلان عن قيام كيان برقه ضمن دعوة لاحياء النظام الفيدرالى . ثم جاء المؤتمر الثانى لشعب برقة فى أبريل من نفس العام ليتم الاعلان عن مؤسسات إقليم برقة ،والاعلان عن هيئة تأسيسية لوضع دستور الأقليم .وتماشياً مع نفس التوجه أعلنت مجموعة من أعيان المنطقة الجنوبية فى سبتمبر 2012 منطقة فزان اقليما فيدرالياً.كما تم تشكيل المجلس الاجتماعى الأعلى لقبائل فزان فى ملتقى عقد فى مدينة أوبارى الجنوبية. وقد اسهمت هذه التطورات فى انقسام المجتمع الليبى بين تيارين أحدهما يدعو للخيار الفيدرالى باعتباره تعزيزاً للامركزية واعطاء فرصة عادلة للأقاليم لتحقيق تنمية تستحقها بعد مرحلة التهميش والاقصاء فيما قبل الثورة .أما التيار الثانى فهو ما يمكن وصفه بالتيار الوحدوى والذى يعتبر أن دعاوى الفيدرالية ما هى الا بداية لتحقيق الانفصال بين الاقاليم التى تطالب بالفيدرالية.كما أنهم يعتبرون الفيدرالية مظلة نخبوية تضم المثقفين والنشطاء والسياسيين من دون دعم قوى من الجماهير.

&أما فى اليمن فقد أقرت وثيقة مخرجات الحوار الوطنى بصيغة نظام الأقاليم والدولة الاتحادية،والذى استمرت جلساته من مارس 2013 وحتى يناير 2014 برعاية الأمم المتحدة،وشاركت فى مناقشاته كل القوى السياسية اليمنية، حيث تم الاتفاق على تقسيم اليمن الى 6 أقاليم فى اطار دولة اتحادية: اثنان فى الجنوب ،وأربعة فى الشمال هي: إقليم آزال الذى يضم محافظات صنعاء وعمران وصعدة وذمار، وأقليم سبأ الذى يشمل البيضاء ومأرب والجوف،واقليم الجند الذى يضم تعز واب، وأخيراً اقليم تهامة الذى يضم الحديدة وريمة والمحويت وحجة.أما الإقليمان الجنوبيان فهما :اقليم عدن الذى يضم عدن ولحج وأبين والضالع ،واقليم حضر موت الذى يضم حضر موت وشبوة والمهرة وجزيرة سقطري.واذا كان المؤيدون لهذا التقسيم الادارى يعتبرونه توسيعاً لقاعدة المشاركة الشعبية فى ادارة شئون الدولة اليمينة وتعزيزاً للامركزية، والحد من نفوذ قبائل حاشد المهيمنة سياسياً واقتصادياً على الشمال اليمني،والقضاء على رغبة الحوثيين فى استعادة دولة الامامة، الا أن الرافضين لنظام الاقاليم يعتبرونه بداية لتقسيم وتجزئة اليمن فى ظل محورية المكون القبلى وافتقاد التقسيم الى أسس ومعايير موضوعية تجلت فى تركز الثروات فى أقاليم بعينها لا تتناسب مع التوزيع السكانى المتوازن، بما جعل أقاليم تحتوى على وفرة سكانية وأخرى تعانى من ندرة للسكان،فضلاً عن تقاطع التقسيمات الجغرافية مع مناطق قبلية لها امتداداتها وهو ما يعمق من فكرة التناحر القبلي.

&مجمل القول إن النماذج العربية التى ترفع شعارات الفيدرالية وبقدر ما لديها من محفزات تدفع نحو تبنى هذه المتاهة سواء استجابة لضغوط خارجية تسعى لتوظيف هذه المقاربات لتوظيفها لتثبيت حقائق على الأرض ضمن صراع الارادات الاقليمية والدولية،أو كونها نتاجا لعوامل داخلية ترتبط بغياب عدالة التوزيع التنموى بين الأقاليم المختلفة وهيمنة التمايزات القبلية والمجتمعية، الا أن هذه الدول أيضاً لديها من مقومات الكوابح ما يعزز من الحفاظ على وحدة أراضيها استناداً لقواسم اللغة والتاريخ المشترك، بما يتطلب العمل على ايجاد خطاب سياسى يضمن كفالة حقوق الأقليات وعدم التهميش على أسس جغرافية أو عرقية أو مذهبية،بما يدعم تماسك ووحدة الدولة العربية ويصون سيادتها، باعتبارها الركائز الأساسية الضامنة للاستقرار،والقادرة على استيعاب كافة المكونات المجتمعية على أسس ومباديء المواطنة دونما النظر لأى اعتبارات أخري.