&محمد الأشهب

أبعد من الشراكة الإستراتيجية التي بلورتها القمة الخليجية المغربية في الرياض، عبر نسق غير مسبوق في مواجهة كل التحديات الأمنية والعسكرية والاقتصادية، أنها نقلت مفهوم العمل العربي المشترك إلى مساحة جديدة تقلّص مسافات البعد الجغرافي. لكنها في الوقت ذاته أبانت كيف أن حجم التحديات يتخذ من الجوار الإقليمي وتقاعس الدول الوازنة في المجتمع الدولي سبيلاً لإذكاء نيران التفرقة والفتن الطائفية.

ليست مصادفة أن مشاكسة الجوار العنيد تلتقي عند سياسات ومزاعم ومخططات، تسعى إلى فرض الهيمنة والتوسع، وما فتئت تستخدم شتى الوسائل غير المشروعة لإغراق الواقع العربي والإسلامي في مستنقعات الاستنزاف وتحويل الأنظار عن كبريات القضايا المحورية في التضامن والتنمية وتأهيل الإنسان والأوطان.

كما تواجه المنظومة الخليجية تحديات تأمين وجودها المستقر والفاعل، نتيجة تزايد مناورات نظام إيران الباحث عن موطئ قدم لتطويق المنطقة عبر هلال أطماع ذات منحى مذهبي متعصب، فإن المغرب في أقصى غرب العالم العربي يجابه تحديات جوار منغلق على حدوده الشرقية والجنوبية. وعلى رغم فارق الأسماء والأشكال، فإن استمرار احتلال إيران الجزر الإماراتية والتورط الفاضح في سورية والعراق واليمن، يشبه محاولات فصل المغرب عن امتداده العربي والإفريقي. في خلاصة التشخيص والاستقراء أن أمن واستقرار العالم العربي يشكلان الناظم المشترك في مخططات راهنة وبعيدة المدى. وإذا أضيف إلى ضريبة الجوار تردد مراكز القرار الدولي في تسريع الإجابات الحاسمة عن مجمل القضايا الحيوية المطروحة، واللجوء إلى إثقال جداول أعمال المنتظم الدولي بحسابات ظرفية تعطل مسار التفاهمات الإستراتيجية الكبرى، يصبح التساؤل عن الربط القائم بين هذه البلدان العربية التي استطاعت الصمود في وجه الهزات العنيفة لما اصطلح عليه «الربيع العربي» هي ذاتها التي تتعرض لسياسة ضغوط ممنهجة، لم تترك أي قضية، من قبيل أوضاع حقوق الإنسان والحرب على الإرهاب ووضع العصي أمام دواليب شرايين الحركة الاقتصادية والتجارية، إلا وجعلت منها حقاً يراد به باطل.

في المحصلة أن التغيير الذي كان يعوّل على أن يأتي في صورة حراك شبه مفروض، لم يحقق أهدافه. وعلى العكس فالبلدان الخليجية والمغرب التي خرجت أكثر قوة ومعافاة من التجربة، هي التي تصنع اليوم معالم تغيير هادئ في بنياتها وطرائق تفكيرها ورسم اختيارات مستقلة تعتمد على الذات وليس الغير.

لم تنتظر المملكة العربية السعودية من يشير عليها بإملاءات ما يجب القيام به. فقد التفتت إلى رصيدها وعزيمة أبنائها لتستنبط مكامن القوة في سلامة اختيارات داخلية وإقليمية ودولية. والحال أن كل دول المنظومة الخليجية اتجهت على نحو متقدم لترتيب أسبقيات المرحلة، فيما يمضي حليفها المغرب قدماً في شق طريق التأهيل الشامل.

من هذا المنطلق، لم يكن انضمام المغرب إلى التحالف الإستراتيجي لدول الخليج أكثر من نتيجة، في مقدم فرضياتها أن تحالفات العصر باتت تستند إلى تشابه القيم والخيارات، وبالتالي أصبحت لمنظومة الاعتدال والواقعية والانفتاح في العالم العربي أجنحة تحلّق بها في سماء التحوّلات التاريخية الهائلة. وما من شك في أن هذا المسار الجديد الذي يتقاسم فيه الشركاء الخليجيون والمغاربة القناعات والقيم والتحديات ذاتها، سيكون له ما بعده. أقله إنها المرة الأولى في تاريخ المكاسب التي تخرج من عنق الأزمات، تعاين دول وشعوب كيف أن وحدتها قائمة، لا يحد منها تباعد الجغرافيا.

كان أجدى، وإن بمنطق الحلم المتاح، أن يلتئم هذا التحالف الإستراتيجي بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد المغاربي، لولا أن المشروع الأخير تعثرت خطواته، تماماً كما أخفقت جهود إقامة حوار خليجي مع جواره من خارج الدول العربية، وتحديداً إيران الغارقة في أوهام الهيمنة. غير أن قاطرة التحوّلات الكبرى تكون لها جاذبية أقوى من مخطّطات العبث والتدمير.