محمود الريماوي

كانت القمة الخليجية الأمريكية في الرياض مفيدة من نواحٍ عدة. فقد أرست وعززت منظومة العمل الخليجي كأهم مظاهر العمل العربي الجماعي. وقد أمكن لهذه القمة، وهي الثانية في غضون عام تقريباً (بعد قمة كامب ديفيد في مايو/‏أيار الماضي) أن تحصر وجوه الخلاف، وتضيق رقعة التباينات، وفي الوقت نفسه، توطد أوجه الالتقاء والتفاهم، ومن أبرزها تجديد استعداد الدولة العظمى للمساهمة في مجابهة أي خطر قد تتعرض له المجموعة الخليجية، أو إحدى دولها، مع تنشيط التعاون في سبيل تعظيم القدرات الذاتية الدفاعية لدول مجلس التعاون.

وقد أبدى الطرفان الضيف (الأمريكي) والمضيف (السعودي) الارتياح لأجواء الزيارة والقمة التي اختتمت الجمعة الماضي 22 إبريل/‏نيسان، حيث تمت بين أصدقاء قدامى، هناك الكثير مما يجمعهما، والقليل الطارئ الذي تتباين فيه وجهات النظر. وقد وصف الرئيس أوباما، على سبيل المثال، وفي مستهل القمة التباين حول إيران بأنه «خلاف تكتيكي بين الجانبين». على أن مباحثات القمة والبيان الختامي الصادر عنها أظهر قدراً كبيراً من التفاهمات حول الدور الإيراني في المنطقة، ابتداء من البرنامج النووي والاتفاق بشأنه، مروراً بالصواريخ البالستية المتطورة، وليس انتهاء بتأجيج النزاعات الداخلية، عبر نشر فتن طائفية ومذهبية.

ليس هناك في واقع الأمر من اختلاف يذكر، سوى أن القيادة الأمريكية ترغب في إبقاء هامش للحوار مع طهران. وهو ما تُقرّ به دول الخليج التي لم تقطع الحوار بصورة نهائية مع طهران.

لقد كان انعقاد القمة ضرورياً لتقريب وجهات النظر، من أجل قطع الطريق على أية فوضى دولية أو إقليمية، وهو ما تحقق إلى حد بعيد، وتم معه استعادة مبادئ الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، كما عكس ذلك البيان الختامي. وفي القناعة أن ذلك ما كان ليتم لولا أن دول مجلس التعاون قد برهنت على استعدادها للدفاع عن أراضيها وشعوبها ودولها، وعلى أنها ماضية في سياسة الاعتماد الذاتي، مهما كلفها ذلك من تضحيات، وأنها لن تكون عبئاً على أحد، ما حفز الجانب الأمريكي لتجديد مبادئ الشراكة، وعرى الصداقة، مع ما يقترن بذلك من التزامات، أفصح عنها الرئيس أوباما، وبيان القمة الختامي.

لقد التأمت القمة في الأساس من أجل تنمية العلاقات الخليجية الأمريكية، ومنحها دفعة إلى الأمام وهو ما حدث بالفعل، ويمكن لكل الأطراف قراءة هذه القمة باعتبارها تكرس شراكة فريدة، وتمثل ضمانة لأمن المنطقة واستقرار دولها، ورفاهية شعوبها، وبما يقطع الطريق على أي عبث بالمعادلات وموازين القوى، ويضع حداً لمطامح غير مشروعة تتخذ من التدخلات منهجاً، ومن الأطماع التوسعية ديدناً لها. كما وفّرت القمة رؤية مشتركة للبؤر المتفجرة في منطقتنا، من سوريا إلى اليمن إلى ليبيا، وقد جاءت المواقف المشتركة التي عبّر عنها البيان الختامي تتماشى مع قرارات الشرعية الدولية، ومع ميثاق الأمم المتحدة، وأحكام القانون الدولي، ومع مصلحة الشعوب في الأمن والكرامة والازدهار. ولم يكن هناك من خلافات تذكر بين الجانبين، إزاء هذه الملفات.

ومع تفجر الأوضاع في تلك البلدان، إلّا أن القمة الخليجية الأمريكية لم تقفز عن المعضلة الأساس التي يعيشها الشرق الأوسط منذ عقود، والمتمثلة بالقضية الفلسطينية والاحتلال «الإسرائيلي»، فقد أكدت القمة ضرورة حل الصراع «الإسرائيلي» ـ الفلسطيني، على أساس اتفاق سلام عادل ودائم وشامل يفضي إلى قيام دولة فلسطينية، ذات سيادة ومتماسكة جغرافيًا، مجددين تأكيدهم أهمية مبادرة السلام العربية لعام 2002. والتأكيدات الأخيرة المشتركة، هي برسم الإدارة الأمريكية بالذات، فقد وعدت هذه الإدارة بالكثير، وفعلت أقل القليل حيال المحنة الفلسطينية واستمرار الاحتلال البغيض.

إن ما سمى الخلافات بين الطرفين، هي ذات طبيعة إيديولوجية لا سياسية، تتعلق بمفاهيم الحزب الديمقراطي الأمريكي ورؤاه، مقارنة بمفاهيم ورؤى خليجية تجمع بين المحافظة من جهة والاعتدال والوسطية من جهة ثانية، ولم يعد لها انعكاس مباشر على العلاقات الأمريكية الخليجية إلّا في أضيق نطاق.