&محمد محفوظ

مهما كانت الخلافات والتباينات السياسية والاقتصادية بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، إلا أن مصالحهما السياسية والاقتصادية العميقة والتاريخية قائمة إلى الآن، ولا أرى أن هذه العلاقة في طريقها إلى الخراب، وإنما إلى الاستمرار..

من المؤكد أن العلاقات الأميركية - السعودية ذات عمق استراتيجي وتاريخي، لا يمكن تجاوزه أو التغافل عنه.. وقد مرت هذه العلاقة بأطوار عديدة، ولكن القدر المشترك في كل هذه الأطوار أن العلاقة بين البلدين تطورت وتعمقت ووصلت إلى مستوى غير مسبوق في العلاقة بين البلدين..

وكثيرة هي التحديات الاستراتيجية والأمنية والسياسية التي واجهت هذه العلاقة، لكنْ أمام هذه التحديات ثمة إصرار عميق من كلا البلدين لتجاوز هذه التحديات بعيداً من المس بطبيعة العلاقة الاستراتيجية التي تربط المملكة بالولايات المتحدة الأميركية..

والجانب النفعي والبرغماتي للعلاقة، لم يكن مغفولاً أو مستبعداً، وإنما كان حاضراً في كل مراحل وأطوار العلاقة التي وصلت إلى حد التحالف الاستراتيجي بين البلدين..

والتباين الأميركي - السعودي في وجهات النظر والخيارات السياسية الإقليمية، لا يلغي عمق العلاقة ووجود مصالح عميقة تربط البلدين تمكنهما من تجاوز هذه المرحلة بخلافات أو تباينات محدودة.. وإن هذه الخلافات المحدودة لم تكن غائبة في كل أطوار العلاقة.. ففي كل مراحل العلاقة التاريخية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، ثمة تباينات وخلافات سياسية واقتصادية، إلا أن عمق العلاقة وإصرار البلدين على استمرارها هو الذي يوفر الإرادة السياسية لتجاوز كل هذه التباينات والخلافات..

ولكوننا نتحدث عن دول ذات علاقات سياسية واقتصادية واسعة، فإن الخلاف والتباين في وجهات النظر حول بعض الملفات، ليس مستغرباً أو بعيداً، ولكنه من الحقائق السياسية والاقتصادية التي لا يمكن تجاوزها أو تغافلها، لكوننا لا نتحدث عن دول منعزلة عن الشؤون السياسية والاقتصادية، وإنما نتحدث عن دول هي من ثوابت وحقائق المشهدين السياسي والاقتصادي على المستويين الإقليمي والدولي..

ومع زيارة الرئيس الأميركي أوباما إلى الرياض خلال الأسبوع الماضي، طرحت على المستوى الإعلامي أنه ثمة خلافات سياسية بين الإدارة الأميركية والقيادة السعودية، تتعلق هذه الخلافات بملفات سياسية إقليمية.

وفي هذا السياق أود أن أوضح وجهة نظري حول هذه المسائل من خلال النقاط التالية:

مهما كانت الخلافات والتباينات السياسية والاقتصادية بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، إلا أن مصالحهما السياسية والاقتصادية العميقة والتاريخية قائمة إلى الآن، ولا أرى أن هذه العلاقة في طريقها إلى الخراب، وإنما إلى الاستمرار، لعمق المصالح النوعية التي تربط البلدين..

وحضور وسائل الإعلام في هذه الخلافات، لا يلغي إمكانية الاستمرار في علاقة استراتيجية بين البلدين.. وكل دولة تضغط إعلامياً وسياسياً لتحسين شروط تفاوضها مع الدولة الأخرى، إلا أن هذه الممارسات الدبلوماسية والسياسية والإعلامية لن تلغي حجم المصالح القائمة بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية..

لهذا من الضروري الالتفات إلى هذه الحقيقة، وليس ثمة دوافع حقيقية لإلغاء هذه العلاقة أو تخفيضها لأي سبب من الأسباب.. فالعلاقة ستبقى استراتيجية ولن تتمكن الولايات المتحدة الأميركية من بناء علاقة استراتيجية بديلة عن علاقتها مع المملكة..

إن الخلافات السياسية بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، ليست جديدة وإنما هي خلافات رافقت كل عمر العلاقة بين الطرفين.. وإن هذه الخلافات لن تصل بالعلاقة بين البلدين إلى مستويات دنيا، وذلك لسببين أساسيين: واقعية المملكة العربية السعودية، وأن القيادة السعودية لا تنظر إلى علاقتها مع الولايات المتحدة الأميركية برغبات مجردة، وإنما هذه العلاقة مسنودة بمعطيات وحقائق سياسية واقتصادية كبرى.. وإن هذه المعطيات والحقائق قادرة على الصمود أمام تحدي الخلافات السياسية التي برزت أخيراً بين البلدين..

إضافة إلى البرغماتية الأميركية، التي يمنعها من القيام بمواقف أو تبني خيارات سياسية واقتصادية ليست متداولة.. فالواقعية السياسية لدى قيادة المملكة والبرغماتية الأميركية، هما اللذان يحفظان هذه العلاقة التاريخية بين المملكة والولايات المتحدة الأميركية.. ولكون العلاقة ذات عمق تاريخي، فكلا الطرفين لديهما القدرة على تجاوز هذه الخلافات والتباينات بأقل الخسائر الممكنة..

العلاقات السعودية - الأميركية مسنودة دائماً بقرار خليجي تقوم به وتمارسه كل دول مجلس التعاون الخليجي التي ترى أن استمرار العلاقة الأميركية - السعودية هي في مصلحة كل دول المنطقة.. ولا نتصور وفق الظروف والتحولات السياسية والاقتصادية الحالية في المنطقة، أن الولايات المتحدة الأميركية في وارد تخريب علاقتها بالمملكة، لأن هذا سينعكس سلباً على طبيعة العلاقة الأميركية - الخليجية.. وليس ثمة مصلحة حقيقية وفعلية للولايات المتحدة الأميركية على تخريب علاقتها مع دول الخليج العربي..

وعليه ووفق المعطيات السياسية والاستراتيجية، ندرك أن الخلافات السياسية السعودية - الأميركية، لا زالت تحت السيطرة، وثمة مصلحة أميركية - سعودية متبادلة لإدارة هذه العلاقات والمصالح بعيداً عن الخلافات الموجودة..

وإن هذه الخلافات بمقدور البلدين معالجتها، والوصول إلى حلول ممكنة للسيطرة على هذه التباينات والخلافات..

وإن الذي يعتقد أن هذه الخلافات ستصل إلى مداها النهائي، نقول له إن البرغماتية الأميركية والواقعية السياسية السعودية التي تتعامل مع الحقائق والمعطيات، كل هذا يمنع أن تصل هذه الخلافات إلى مداها النهائي..

وإن عمق العلاقة التاريخية والاستراتيجية، سيوفر لكلا البلدين، إمكانية فعلية لتجاوز هذه التباينات أو إدارة العلاقة بين البلدين بعيداً عن ضغط هذه الخلافات والتباينات..