&شملان يوسف العيسى

ما يحصل في الكويت من خلاف بين الحكومة ومجلس الأمة (البرلمان)، مهم جداً لكل دول الخليج الساعية لاتخاذ إجراءات اقتصادية جوهرية في خطط التنمية بعيداً عن الاعتماد المفرط على النفط ومحاولة تنويع مصادر الدخل.

الحوار الجاري في الكويت حول دور الدولة في إدارة الاقتصاد، يتطلب حواراً آخر مع شرائح المجتمع حول أهمية الإصلاح.

ما حصل في الكويت الأسبوع الماضي هو عودة للخلاف بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، وهذه المرة حول وثيقة الإصلاح المالي والاقتصادي التي تقدمت بها الحكومة، وقد صوت مجلس الأمة على الوثيقة في جلسات سابقة، لكن النواب عادوا وطالبوا بإجراء تعديلات عليها، لأنهم تلقوا احتجاجات شعبية يرفض فيها الناخبون خصخصة بعض مؤسسات الدولة.

ورغم تأكيدات الحكومة للنواب بأن «وثيقة الإصلاح لم ولن تبيع أصول الدولة لأفراد أو شركات بهدف احتكارها، وأن تخصيص إنتاج النفط والغاز غير جائز أصلاً دستورياً وقانونياً»، فالحقيقة التي يعرفها النواب هي أن الحكومة تريد تخصيص بعض الشركات النفطية التي سبق أن كانت تابعة للقطاع الخاص، مثل: شركة الناقلات، ومصنع البتروكيماويات، وشركة النفط الوطنية.. لكن بشروط جديدة بعيداً عن الاحتكار وسعياً لتشجيع التنافسية.

لكن لماذا يتخوّف النواب وقطاع كبير من المواطنين الكويتيين من خصخصة بعض القطاعات الاقتصادية؟ وهل سيتضرر المواطن من إعادة هيكلة الاقتصاد؟

هنالك فهم خاطئ لدى كثير من المواطنين في الخليج، ممن يتوهمون أن الإصلاح الاقتصادي الجاري حالياً في الخليج يعني تخلي الدول عن دورها في رعاية المواطنين والاهتمام بهم! وعلينا أن نؤكد أن مبدأ الدعم في كل دول العالم هو أداة غير اقتصادية، لأن الناس تشتري الخدمة أو السلعة بأقل من تكلفتها الحقيقية، وذلك يؤدي حتماً إلى هدر المال العام، بمعنى أنه إذا أصبح كل شيء، مثل خدمة الكهرباء والماء، ومشتقات النفط، والأغذية وغيرها من السلع المدعومة، يكلف المواطن أسعاراً رمزية فقط، فسيؤدي ذلك إلى الهدر وسوء الاستغلال. والمثال على ذلك حالتنا المائية في الخليج، وهو منطقة صحراوية قليلة الأمطار لا توجد بها أنهار، لكننا نستهلك المياه أكثر من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، رغم أنها دول صناعية وغنية مائياً وتستعمل المياه بكثافة لتبريد المصانع، فإن استعمالها للمياه أقل منا.

هل يعقل أن يصل دعم الكهرباء والماء في الكويت إلى حوالي 20.000 دينار سنوياً لكل مواطن؟

ومَن المستفيد الأكبر من استغلال المياه والكهرباء؟

إن معدل استهلاك الماء والكهرباء للمواطن الكويتي ذي الدخل المحدود متواضع، بينما الطبقة الغنية التي تملك الفلل الكبيرة والعمارات المؤجرة وغيرها، تدفع نفس التكلفة مثل الفقراء. والغريب أن نواب الأمة يرفضون المقترح الحكومي الذي يريد تطبيق نظام الشرائح، ويكفي أن الفقراء الذين يستهلكون أقل من 6000 كيلو واط شهرياً تكون التكلفة فلسين فقط للكيلو واط، وإذا زاد الاستهلاك تزداد معه التكلفة.

ما يثيره نواب الكويت من زوبعة احتجاجية لا معنى له، لأنهم يريدون دغدغة مشاعر المواطنين لكسب رضاهم لإعادة التصويت لهم. لذلك على الطبقة المثقفة في الخليج أن تلعب دوراً في إقناع البسطاء من الناس بأن التنمية تتطلب مساهمة الجميع والتضحية من أجل الوطن، فالتوجه العالمي اليوم يسير باتجاه خصخصة كل الخدمات بعد فشل التجربة الاشتراكية في روسيا وأوروبا الشرقية.