&محمد الأشهب

ركز الجدل الذي لم يحسم بين المغرب والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على قضية في غاية الأهمية، محورها الوضع الراهن والمستقبلي لبعثة «المينورسو» في الصحراء. وأياً كانت الصيغة الوفاقية لتأمين دورها في حفظ السلم والأمن، فإن إشكالات عميقة ستظل مطروحة. ليس أقلها أن مهمة البعثة الدولية العسكرية والمدنية أثارت نقاشاً سياسياً وقانونياً، حتى قبل اندلاع الأزمة الحالية.

المشكل قائم في المرجعية وليس في ردود الأفعال. ولئن كان لا يعتري أدوار قوات حفظ السلام أي لبس، لناحية الفصل بين المتحاربين وإقامة مناطق عازلة ورقابة أنواع الانفلاتات، فالأمر بالنسبة لبعثة «المينورسو» يختلف شكلاً ومضموناً، بدليل أن الاتفاقات المبرمة في هذا الشأن تلزم أكثر من طرفين. ولولا الجزائر وموريتانيا، وهما تشتركان في هذه المهمة، بحكم وجود منتسبين إلى جبهة «بوليساريو» على الأراضي الواقعة تحت نفوذهما، لما أمكن لوقف النار أن يصمد إلى هذا الحد.

في المنطوق المرتبط بوجود «المينورسو» في الصحراء أنه ذو أبعاد عسكرية وسياسية، توخت الأمم المتحدة من خلالها رقابة وقف النار الذي يسري مفعوله منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، وكذلك مواكبة خطة تأهيل الناخبين إلى استفتاء، لم تعد قرارات مجلس الأمن تتحدث عنه بنفس الزخم والمواصفات التي رافقت خطة بيريز ديكويار في التسوية السلمية، ما يعني أن المهمة أصبحت مقتصرة على رقابة الجانب العسكري فقط. وكما لا يمكن تغيير مهامها خارج هذه المرجعية، فإن مجرد الإبقاء على تسميتها يضع الأمم المتحدة في مأزق، كونها تقول شيئاً، فيما آليات تحركاتها خاضعة لمنطق آخر، تقر صراحة أنه أصبح متجاوزاً، أو في أقل تقدير أصبح الحل مفتوحاً على بدائل أخرى.

على رغم أن مجلس الأمن اختار توصيف «الحل السياسي» المتفاوض في شأنه كصيغة بديلة، فإنه لم يلتفت في أي وقت لربط مهمة «المينورسو» بهذا التحول الذي يرتدي طابعاً جوهرياً. طالما أن «البروفة» النهائية لصيغة الحل ترهنه بنتائج المفاوضات التي تقبلها الأطراف كافة. وفي مقابل ذلك استندت القرارات ذات الصلة إلى وصف مبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب بـ «الجدية والصدقية والواقعية»، وأبقت في ضوء ذلك على مفهوم تقرير المصير الذي تتباين الاجتهادات في تأويل وتفسير المقاربات التي تساعد على تحقيقه.

لعل أهم تطور عرفه الملف يتمثل في أن الأطراف المعنية دعيت للمرة الأولى إلى استكشاف مضمون فكرة تقرير المصير التي تبقى موزعة بين حرفية القوانين الدولية التي ترجح الاستفتاء، وبين حلول واقعية تستند إلى مقاربات ديموقراطية في التعبير عن الإرادة. وقد سبقت دول غربية مثل فرنسا وإسبانيا إلى التأكيد على أن الدمج في الاختيار الديموقراطي أفضل وسيلة لتقرير المصير، ولا يمكن للمجتمع الدولي الذي يناهض انفصال أجزاء من إسبانيا، مثل كاتالونيا أو الباسك، أن يغض الطرف عن هذه المقاربة، إلا إذا كان يزكي فكرة الكيل بمكيالين.

لقد تنبه الوسيط الدولي السابق جيمس بيكر إلى هذا الجانب يوم أقر بأن المغرب لم يضم الصحراء، إلا تأسيساً على الحكم الصادر عن محكمة العدل الدولية في لاهاي، ما جعله يطرح فكرة الحكم الذاتي كحل وسط. وإن لم تسعفه معطيات المرحلة في الذهاب بعيداً من دون إزعاج أي من الأطراف. غير أن وصفته تلك يعتد بها قانونياً وسياسياً، قبل أن يلوذ إلى الجمع بين الأضداد.

أقصى ما يمكن أن يصل إليه مجلس الأمن في تدبير الأزمة الناشئة التي ألقت بظلالها على تطورات ملف الصحراء، أنه سيعود بالملف إلى ما قبل التداعيات التي انعكست سلباً على جهود المجتمع الدولي. ولن تكون المواجهة الأخيرة أكثر من محطة عارضة تعود بعدها الأطراف إلى التفكير في ما يجب القيام به لإحراز تقدم ملموس. لكن الأجواء السائدة لا تبعث على الاطمئنان، أقله أن مبدأ الثقة الذي سعت الأمم المتحدة إلى ترسيخه عبر تجربة تبادل الزيارات بين الأهالي، لإزالة الحواجز النفسية والسياسية، أصبح اليوم مطلوباً للتغلب على المأزق الناشئ في العلاقة بين الرباط وبان كي مون. غير أنه كما يصعب على مجلس الأمن توجيه اللوم إلى الأمين العام للأمم المتحدة، من المستبعد كذلك أن يكتفي بإرضاء المغرب، لأن المطلوب البحث في مقاربة جديدة لمهام «المينورسو» قبل أي شيء.