عدا الأحزاب الكردية التي دفعتها تحركات الزعيم الديني مقتدى الصدر إلى اتخاذ موقف موحد رافض اقتحام البرلمان، على رغم خلافاتها العميقة، فإن القوى العراقية الأخرى ظهرت في أشد حالات التضارب والارتباك.

وكان أنصار الصدر انسحبوا أمس من المنطقة الخضراء، بعد يوم على دخولها لإتاحة الفرصة لقوات الأمن لحماية مئات الآلاف القادمين من كل أنحاء العراق لزيارة الإمام موسى الكاظم، على ما جاء في بيان اللجنة المشرفة على التظاهرات.&

وأعلنت الكتل الكردية في بيان أن «الهجوم على مقر سلطة الشعب المنتخبة يؤكد وجود أجندات حزبية وشخصية، مغلفة بشعارات براقة ومسميات أخرى وهذه الأجندات تحاول فرض إرادة جهة معينة» على الحكومة. ويقابل هذا الموقف الموحد الرافض اقتحام تيار الصدر قاعة البرلمان، واعتصامه داخل المنطقة الخضراء، انقسام حاد في أوساط حزب رئيس الحكومة حيدر العبادي (الدعوة) الذي ما زال يتزعمه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.

وكان نواب معروفون بقربهم من المالكي قادوا خلال الأسبوع الماضي اعتصاماً برلمانياً طالب بإقالة رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان، ضم، بالإضافة إليهم نواب تيار الصدر وكتلة إياد علاوي وبعض النواب السنة.

وفتح هذا اللقاء النادر بين نواب الصدر والمالكي باب التكهنات عن إمكان تقارب التيارين، غير أن الأيام اللاحقة أثبتت استمرار الصراع بين الرجلين، إذ انسحب نواب الصدر من الاعتصام، وسمحوا لأنصاره بدخول المنطقة الخضراء، ليجد النواب المعتصمون أنفسهم في موقف غامض، فلا هم حازوا تعاطف أنصار الصدر، ولا نجحوا في تغيير العبادي.

وكان المالكي أعلن أن الأوضاع الأمنية والسياسية «شديدة الاضطراب وتنذر بخطر كبير»، وأشار إلى أن مجلس النواب «لا يستطيع أن يحقق التغيير الوزاري»، وقال أن «التعديل الجزئي تم وسط تهديد المتظاهرين النواب بالقتل».

الصراع في الكواليس بين المالكي والعبادي على زعامة أكبر كتلة برلمانية (دولة القانون – 100 نائب من أصل 328) يبدو بدوره أحد أسباب الأزمة، فالعبادي متخوف من طموح خصمه المقرب من إيران، ولكنه متخوف أيضاً من طموح الصدر وسعيه إلى تغيير السلطة وإزاحة «حزب الدعوة».

وعلى رغم هذا الانقسام لم يفرز تداخل الخنادق السياسية جبهتين واضحتي المعالم بين التيارات الشيعية، خصوصاً أن زعيم «المجلس الإسلامي»، وهو القطب الرابع في المعادلة السياسية، عمار الحكيم، لم يتخذ موقفاً محدداً وإن كان يميل إلى العبادي أكثر من المالكي، فيما يظهر أحياناً أقرب إلى الصدر منه إلى الاثنين معاً.

أما إياد علاوي الذي أشارت الأنباء إلى احتمال تقاربه مع المالكي في ضوء انخراطه ونواب كتلته «العراقية» في الاعتصام البرلماني، بل وتقديمه أحد نواب حزبه (عدنان الجنابي) رئيساً للبرلمان بدلاً من سليم الجبوري، فلا يقل موقفه غموضاً، فهو ينحاز إلى الصدر ويتبنى طروحاته، لكنه يعتصم مع المالكي ضد العبادي.

هذه الانقسامات فتحت باب التكهنات عن احتمال وجود تنسيق خلف الكواليس بين الصدر والعبادي، خصوصاً أن الصدر ما زال متمسكاً به رئيساً للحكومة.

تبقى القوى السنية وهي أكثر تأثراً من سواها بالأحداث، فـ «اتحاد القوى» الذي يضم الطيف السياسي السني الأوسع تعرض خلال الأيام الماضية لانقسامات بين نواب اعتصموا مع نواب المالكي، وآخرين مع الصدر، وما زال موقف الكتلة الرسمي ممثلاً بزعمائها الرئيسيين (سليم الجبوري وصالح المطلك وأسامة النجفي) غامضاً وهم مع العبادي.

و&دان الرؤساء العراقيون الثلاثة، وقادة الكتل النيابية خلال اجتماع عقد امس، بدعوة من رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، اقتحام المتظاهرين مبنى مجلس النواب، واعتبروه «خرقاً للدستور» ودعوا إلى محاكمة، وقرروا «تكثيف اللقاءات» لتحقيق «إصلاح جذري»، فيما أعلنت الهيئة السياسية للتيار الصدري استمرار مقاطعة البرلمان، حتى تنجز الإصلاحات «كما أرادها الشعب لا كما تريدها الأحزاب السياسية».

وجاء في بيان عقب اجتماع معصوم ورئيسي البرلمان سليم الجبوري والحكومة حيدر العبادي، تسلمت «الحياة» نسخة منه، أن «الاجتماع عقد في قصر السلام في حضور رؤساء الكتل النيابية والسياسية جرى خلاله نقاش صريح وشامل في آخر التطورات، وما حصل من اقتحام متظاهرين مجلس النواب».

وخرج الاجتماع بتوصيات منها ان المجتمعين» حيوا الانتصار البطولي الذي حققه مقاتلونا وقواتنا الباسلة في منطقة بشير من هيمنة الارهاب الداعشي، ودانوا اقتحام مجلس النواب والاعتداء على عدد من أعضائه، وما حصل تجاوز خطير على هيبة الدولة، وخرق فاضح للإطار الدستوري يستدعي مقاضاة المعتدين».

وشدد البيان على «ضرورة دعم القوات الأمنية وحضها على القيام بمسؤوليتها في حفظ الأمن العام للمواطنين وحماية المؤسسات من تجاوز أي جهة، واعتماد القانون والسياقات الدستورية في فرض هيبة الدولة، كما تم الاتفاق على مواصلة اللقاءات بين الكتل والقوى السياسية كافة في شكل مكثف خلال الأيام المقبلة لضمان إصلاح العملية السياسية جذرياً ودانوا بشدة الاعتداءات الارهابية الأخيرة التي طاولت المدنيين في منطقة النهروان ومدينة السماوة».

إلى ذلك، أصدرت الهيئة السياسية للتيار الصدري بياناً أوضح مواقف كتلة «الأحرار» النيابية جاء فيه «في ظل الظروف العصيبة التي يمر بها عراقنا الحبيب. وفي غمرة ما اعتور العملية السياسية من تخبط واضطراب سببه تجاهل حاجات المجتمع والتغاضي عن مطالب الشعب المحقة. والإمعان في تكريس الفشل المتمثل في الادارة السيئة لمؤسسات الدولة، وبعد الفشل المستحكم لكل محاولات الترقيع وتجميل مبدأ المحاصصة القبيح، واستئثار الأحزاب والكتل السياسية بالسلطة الغاشمة، واستمرارها في الهيمنة على إدارة وصنع القرار السياسي باسم المكونات كما يزعمون كذباً وزوراً. ودفاعاً، بزعمهم، عن الهوية المذهبية أو القومية أو الحزبية على حساب الهوية الوطنية الجامعة، نشيد بوعي الجماهير وتضحياتها وصبرها، وحرصها على انتشال العراق من نار الأنانية الحزبية وهاوية المصالح الفئوية الضيقة، نرفض أي اعتداء يطاول الأنفس المحرمة وأي ترويع للآمنين، وأي اعتداء على ممتلكات الدولة العامة والممتلكات الخاصة وأي محاولة لحرف جهود الإصلاح عن جادتها وهدفها النبيل».

وأضاف البيان «ندعو أبناء قواتنا المسلحة الباسلة من الجيش والشرطة وكل القوات الأمنية الى التعالي فوق كل المسميات والتحلي بالمهنية والخلق الوطني الرفيع الذي كان وما زال مصدر فخر واعتزاز كل العراقيين كما ندعو كل الأحزاب والكتل السياسية الى استيعاب دروس التاريخ وأخذ الحكمة منها والتحلي بشجاعة الإعتراف بالأخطاء والزهد في المغانم. وأن يجعلوا العراق والعراقيين ومصالحهم العليا أولاً ويقدموها قبل مصالح الأحزاب والكتل والفئات والمكونات. فإن لم يفعلوا ذلك فلات حين (ساعة) مندم ولات (ساعة) حين مناص».

وأوضح «نحن في كتلة الاحرار ووفاءً منا والتزاماً بنهج الشهيدين الصدرين وقيادة سماحة السيد مقتدى الصدر أعزه الله، قد التحقنا بجماهير الشعب العراقي نطالب بما يطالبون به من إصلاح وتصحيح لمسار العملية السياسية. ونعلن أننا مستمرون في تعليق عملنا السياسي حتى تنجز تلك الإصلاحات كما أرادها الشعب لا كما تريدها الأحزاب السياسية وندعو جميع الخيرين من أبناء هذا الوطن من المشاركين في العملية السياسية الى تشكيل كتلة وطنية عابرة للطائفية والقومية والفئوية، بعيدة من المصالح الشخصية أو التخاصم السياسي أو الطموحات الفردية، ومكرسة لأجل المصالح الوطنية العليا تأخذ على عاتقها إعداد خطة إنقاذ وطني مدروسة لا تخضع لأي قوة خارجية أو أجندات مشبوهة، تشرع في عملها في أقرب وقت ممكن في حال رفضت القوى السياسية الحالية تحقيق مطالب الجماهير التي تنشد الإصلاح وتسعى الى خير هذا البلد الجريح».

وتوقعت مصادر مطلعة أن تشهد «الساحة العراقية تصعيداً تنخرط فيه كل الأطراف، خصوصاً اتباع التيار الصدري بعد الايعازات الصريحة التي أطلقها القائد العام للقوات المسلحة لملاحقة المتظاهرين الذين اعتدوا بالضرب على بعض النواب فضلاً عن تحطيم أثاث مبنى البرلمان، ناهيك عن محاولات استفزازية تعرض لها المعتصمون في ساحة الاحتفالات الكبرى وسط المنطقة الخضراء، من قبل قوات مكافحة الشغب».