صالح السلطان&

المقصود منح غير مواطنين حق العمل والإقامة دون حاجة إلى ما يسمى كفيل. وأصل الكلمتين المشهورة عالميا بطاقة خضراء تعطى في أمريكا لعدد يختار (بناء على معايير وتفاصيل) من غير حاملي الجنسية الأمريكية بما يخول لهم الإقامة وحرية كاملة في تغيير مكان وصاحب العمل في أمريكا. طبعا في حدود القوانين الأمريكية المطبقة على الجميع.

&تطبيق نظام مشابه الأصل أنه يصب في مصلحة السعودة، خلاف فوائد اقتصادية أخرى ولكنها خارج نطاق تركيز المقال، الذي يوضحه عنوانه.&

من المهم جدا تأكيد أنه ما من نظام وما من اختراع أو مستحدث إلا وله محاسن وعيوب، والعبرة بغلبة أحدهما.

&لا يعد نظام الإقامة الأمريكي ممثلا بـ "الجرين كارد" في التحليل الاقتصادي سببا من أسباب البطالة في أمريكا. والحديث عن الوضع في وقتنا هذا وليس عن أوضاع قبل قرن أو قرنين.

&بالمقابل فإن نظام الإقامة والكفالة السعودي سبب رئيس من أسباب البطالة في بلادنا. بل هذا النظام أراه يجعل تعريف البطالة في بلادنا أقرب إلى أنه لا معنى له ولا فائدة منه.

&طبعا، سيتبع الكلام السابق كلمة كيف؟ وضح كيف أن نظام الإقامة في بلادنا سبب رئيس من أسباب البطالة في بلادنا؟

&عندما يدفع الواحد منا ريالات للحصول على سلعة أو خدمة فإننا نسعى إلى الحصول على أعلى منفعة مقابل الفلوس التي ندفعها، لأن كل واحد تهمه مصلحته قبل مصلحة غيره. وهذا سلوك بشري بدهي ينطبق بالتأكيد على طالب الوظيفة وعلى صاحب العمل.&

يفرض نظام الإقامة السعودي تبعات وواجبات وقيودا على الوافد، تجعل توظيفه مغريا أكثر من توظيف السعودي إذا تساوت الكفاءة والقدرة عند التوظيف. وبعبارة ثانية، يجد صاحب العمل أن تكلفة الوافد (أو مصلحته منه) أقل (أكثر) من السعودي، آخذا بعين الاعتبار الظروف كافة. ولولا ذلك لما رأينا قوة الطلب على الاستقدام، ولو قلنا خلاف ذلك، لكان أصحاب الشركات والمؤسسات متناقضين أو سفهاء لا يعرفون مصلحتهم، وهذا غير صحيح. كلامي عن الصورة العامة، وليس بالضرورة على كل فرد وكل حالة.

أهم أسباب كون تكلفة الوافد (المصلحة منه) أقل (أكثر) أنظمة الإقامة والاستقدام، التي تعطي أصحاب العمل سلطة واسعة على العاملين غير السعوديين، وهو وضع لا يملكون مثله أو حتى قريبا منه على السعوديين.&

من المهم جدا وضوح معنى تكلفة العمل. البعض يحصر تكلفة العمل بالمستحقات كالراتب وتذاكر السفر والتأمين الصحي ورسوم الإقامة ...إلخ، وهذا فهم ناقص. لا يمكن الحديث عن التكلفة بمعزل عن الحديث عن الإنتاجية، لأنها تقيس منفعة صاحب العمل من دفع الراتب أو تحمل التكلفة، أو العائد الصافي الذي يتوقع أن يحصل عليه صاحب العمل. وإجمالا، تؤثر في التكلفة عوامل كثيرة خلاف الرواتب والمستحقات المباشرة فتؤثر مثلا ساعات العمل الفعلية ومدى الاستفادة من تدريب الموظف ومدى استمراريته في العمل، والعمل ضمن ظروف صعبة، وحجم أخطاء العمل وجودة الأداء ومدى الالتزام والانضباط ...إلخ، كما تؤثر فيه عوامل تصنعها السياسات والأنظمة. مثلا لا يمكن لغير السعودي تغيير عمله دون موافقة كفيله...إلخ. والمقام لا يتسع لمزيد شرح وأمثلة.

&&كفالة المؤسسات جلبت ممارسات التستر والتوسع في الاستقدام والتكسب الريعي. وأسهمت في التوسع في جلب عمالة متدنية المهارة. وقد بينت دراسات أن هذا التدني تسبب في انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي. وتثبت التحليلات الاقتصادية وجود علاقة تأثير طردية بين مستوى مهارات القوى العاملة ونمو الاقتصاد وتطوره.

&يظن البعض أن المطالبة بإلغاء نظام الكفالة الخاصة من صنع منظمات حقوق الإنسان، أو تبرره هذه الحقوق فقط. والأمر ليس كذلك، بل هناك سبب آخر لا يقل أهمية: توظيف المواطنين. لقد أخضعت الظروف التي يصنعها نظام الكفالة للتحليل الاقتصادي، والذي بين أنه ضد توطين الوظائف.

&التحليل الاقتصادي لسوق العمل يبين أنه يجب أن يرتكز توطين الوظائف في القطاع الخاص (وخاصة في المنشآت الصغيرة والمتوسطة) على حلول هيكلية طويلة الأمد ترتكز على نظام أجور يستند في المقام الأول إلى السوق market-based wage system، وهذا يعني حرية الانتقال من عمل إلى عمل المسماة في تحليل اقتصاد العمل labor mobility.

&وهذه عناوين مقترحات في إصلاح الوضع تجمع بين نظام يستند إلى السوق وانضباطه بالحد من الاستقدام:

&- تحديد صارم لعدد تأشيرات العمل الجديدة الممنوحة سنويا، بما لا يزيد مثلا على ربع أو خمس كل الوظائف المولدة أي الجديدة في كل المهن والمتوقعة كل سنة، حسب دراسات وتقديرات قياسية حكومية.&

- منح إقامة دائمة للبعض ضمن ضوابط واشتراطات، كتدريب عدد من السعوديين على مهن حرفية.

&- حرية الانتقال لعمل آخر labor mobility للوافد، ومن ثم على المؤسسات والشركات أن توظف من السوق المحلية.

&- تأشيرات وإقامات غير السعوديين عن طريق هيئة مسؤولة عن الاستقدام وشؤون الوافدين، ولا تعطى نهائيا تأشيرات وإقامات لمؤسسات أو شركات.

&من المؤكد أن تطبيق الترتيبات السابقة يتطلب مناقشات تفصيلية واسعة جدا، ويتطلب تدرجا في التطبيق، يمتد إلى سنوات طويلة، وليبدأ بأصحاب المؤهلات العليا وذوي الخبرات العالية.

&التطبيق سيرفع مستوى الأجور في المملكة، وخاصة أجور السعوديين، وسيزيد من فرص تدريبهم والتحاقهم بعمل بصفة عامة. وستصحب التطبيق آثار جانبية وتكاليف على المدى المتوسط، ولكن كما يقول المثل "مكره أخاك لا بطل". علينا الاختيار بين سيئين اثنين: تحمل هذه التكاليف والمضار على المدى المتوسط، أو بطالة عالية باستمرار. وللعلم كانت مقترحاتي السابقة ضمن ورشة عمل أقيمت في وزارة العمل قبل ست سنوات تقريبا، وحضرها عدد من قيادات الوزارة منهم الوزير ونائبه والوكيل الشهري حاليا، وبالله التوفيق.