&عائشة المري

اقتحم أنصار مقتدى الصدر المنطقةَ الخضراء في العاصمة بغداد، ومن ثم مقر البرلمان، بعد أن أعلن الصدر في مؤتمر صحفي عقده في النجف إيقاف العمل السياسي للتيار الصدري ومقاطعة كل السياسيين، قائلًا: «إما بقاء الفاسدين والمحاصصة، أو إسقاط الحكومة برمتها، ولا يستثنى من ذلك أحد لكي لا تكون فتنة واتفاقات خارج إرادة الشعب». وعلى رغم كل ما عصف بالعراق في السنوات الماضية، فإن اقتحام مقر البرلمان يعد خطوة غير مسبوقة في المشهد السياسي العراقي. والأسباب المعلنة للتظاهرات والاعتصامات هي إنهاء المحاصصة، وتفشي الفساد في جميع مفاصل الدولة. ومن الاعتصامات المدنية واعتصامات مؤيدي الصدر انتقلت الاعتصامات إلى مجلس النواب، لتشمل نحو 174 نائباً داخل البرلمان، مطالبين بالإصلاح والقضاء على الفساد، بينهم نواب تيار الصدر، وهو التيار الذي يتمتع بحصة الأسد في الحكومة «الفاسدة». والتساؤل المطروح الآن: ماذا بعد؟

يبدو المشهد السياسي العراقي سريالياً، فمنذ عام 2003 والنظام السياسي العراقي نظام طائفي قائم على تقسيم المجتمع على الأساس السني، الشيعي، الكردي، العربي، تتجاذبه الكتل السياسية في ملهاة مستمرة أمام الشعب العراقي من التعارك السياسي، والاقتتال العسكري، والاعتصامات، وصولاً إلى إغراق البلاد في فوضى عارمة، بحيث أوصلوها إلى مرحلة بلد غير قابل للحكم، إذ ينخر الفساد جسد العراق من رأس الهرم وحتى القاع، فيما تستمر التفجيرات والقتل والإرهاب، مع تدهور مستمر للخدمات، واستفحال الفقر والجهل، بينما تتآكل جغرافية العراق من قبل تنظيم «داعش» والأكراد، وتدار الحكومة العراقية من العاصمة «طهران».

واليوم ينشغل الشعب بالتغيير الوزاري وحكومة التكنوقراط، بين القائمة الأولى ورئيس الوزراء حيدر العبادي، أو الثانية، ومن اعتصامات النواب احتجاجاً على قائمة المرشحين التي طرحها العبادي للتشكيل الوزاري الجديد، ويقولون إنها ستؤدي مرة أخرى إلى الفساد والمحاباة، إلى إقالة رئيس البرلمان سليم الجبوري لينقسم المجلس بين فريقين. وكل فريق يضم من كل الطوائف والقوميات والكتل ما يعجز المنطق عن استيعابه في مشهد عجيب، فالاختلاف شكلي، إذ يتم الحديث عن التغيير ومحاربة الفساد في ظل وجود الكتل ونفس الرؤساء ونفس التحالفات.

وتطرح التطورات أربعة سيناريوهات للعملية السياسية في العراق: الأول، إعلان حالة الطوارئ وحل البرلمان وتجميد الحكومة، باعتبار الاقتحام انقلاباً سياسياً على العملية السياسية برمتها، مع تعيين رئيس مؤقت للسلطات التنفيذية حتى إجراء انتخابات جديدة للسلطات الثلاث. والثاني، انسحاب مؤيدي الصدر من البرلمان والعودة التدريجية للعملية السياسية، مع البقاء في وضع ما قبل الاقتحام من أخذ ورد بين الحكومة والبرلمان، والهروب من محاربة الفساد إلى المزايدات السياسية والمحاصصة من جديد، أي تجميد الوضع الراهن. والثالث، توسع دائرة الاحتجاج وانتقال الصراع بين الأطراف السياسية إلى الشارع، ليدخل العراق في فوضى دموية من جديد. والرابع، استثمار هذه الانتفاضة وتحويلها إلى حركة إصلاحية قوية تشكل حلفاً أو تكتلاً يضم نواباً من كافة المكونات، يهدف إلى إخراج العراق من مأزق المحاصصة الطائفية والعرقية.

يحتاج العراق إلى تسونامي سياسي ينهي الكتل السياسية الحالية القائمة على الطائفية، وقيادة حكيمة وطنية تشكل حكومة عابرة للطوائف والأعراق. وإلى خريطة طريق وطنية وإصلاح شامل من القمة إلى القاعدة. ويحتاج كذلك إلى خطة وطنية للقضاء على الفساد ومحاسبة كافة المسؤولين الحكوميين الفاسدين منذ عام 2003، وأن تصبح أي كتلة تضم شيعة فقط أو سنة فقط مرفوضة شعبياً قبل أن تكون مرفوضة قانونياً. ولا زال في العراق شرفاء وطنيون قادرون على إنهاء المحاصصة الطائفية والمذهبية، فالعراق العربي اليوم أمام تحدٍّ وجودي: إما أن يكون أو لا يكون.