&عبدالعزيز العويشق& &

عدم حاجة أوباما إلى فوز انتخابي آخر قد يدفع الإدارة الأميركية إلى العمل بجدية لدفع إسرائيل إلى التفاوض، أو المخاطرة بتخلي الولايات المتحدة عنها في الساحة الدولية

شهدت الرياض الخميس "21 أبريل" القمة الخليجية - الأميركية الثانية برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بعد القمة الأولى التي عقدت برئاسة باراك أوباما في مايو 2015 في واشنطن، وأعلن فيها لأول مرة تأسيس "شراكة إستراتيجية" بين أميركا ومنظومة مجلس التعاون. وبجميع المقاييس كانت قمة الرياض ناجحة مثل سابقتها، بل تجاوزتها لأنها أتت بعد 11 شهرا من العمل الدؤوب بين المختصين والخبراء من الجانبين لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في كامب ديفيد، ولهذا كان هناك الكثير مما طرح للنقاش بين القادة الخميس.

عقدت قمة الرياض في هذا الوقت لتحقيق عدة أهداف، أولها إزالة أي أوهام لدى إيران ووكلائها ومناصريها بأن العلاقة الخليجية - الأميركية قد تغيرت، أو أن التزام أميركا بأمن حلفائها قد اهتز.

الهدف الثاني للقمة مناقشة التهديد الإيراني للسلم والاستقرار الإقليميين بعد دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ في يناير 2016.

الهدف الثالث مناقشة القضايا الإقليمية الملحة، مثل الإرهاب وسورية والعراق واليمن وليبيا، ووسائل تخفيف حدتها، والسعي إلى إيجاد الحلول لها.

الهدف الرابع مراجعة التقدم المحرز في إرساء أسس الشراكة الإستراتيجية بين مجلس التعاون والولايات المتحدة، خاصة ما يتعلق بتعزيز قدرات دول مجلس التعاون العسكرية والأمنية على التصدي للتهديدات الخارجية والداخلية.

والهدف الخامس تقديم مبادرات جديدة، كان أهمها هذا العام المقترح الأميركي برفع مستوى الحوار الاقتصادي بين الجانبين وطرح مواضيع جديدة فيه.

أكد القادة الخليجيون والرئيس أوباما العام الماضي تثبيت دورية القمة الخليجية - الأميركية، أي ألا تنعقد القمة مرة واحدة فقط. ومع أن الفكرة كانت عقد القمة مرة كل عامين، إلا أن أوباما حرص على انعقاد القمة الثانية قبل انتهاء فترة ولايته، بعد أقل من سنة من القمة الأولى.

فهل حققت القمة أهدافها؟

حرص الجانب الأميركي على تعداد نجاحات التحالف الخليجي - الأميركي خلال الفترة الماضية منذ قمة كامب ديفيد، لكي يدفع باستمرارها وتعزيزها.

ففي اليمن، أبدى الجانبان الأميركي والخليجي ارتياحهما لنجاح التحالف العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية ودعم الولايات المتحدة، في تحقيق أهدافه العسكرية، من جهة وقف تمدد الانقلاب وتأمين معظم الأراضي اليمنية لصالح الحكومة الشرعية، ودحر محاولات إيران السيطرة على اليمن وزرع بذور الفتنة الطائفية فيه، ورحب القادة كذلك بوقف الأعمال القتالية في اليمن، بعد وساطة سعودية بين أطراف النزاع، ورحبوا كذلك ببدء المحادثات الجارية في الكويت، التي تهدف إلى تحقيق تسوية سياسية دائمة وشاملة للصراع وفقا لقرار مجلس الأمن 2216 والمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني. وفي الوقت نفسه، تعهد القادة بدعم إعادة إعمار اليمن والعمل على اندماج الاقتصاد اليمني مع الاقتصاد الخليجي. فيما يتعلق بسورية، حيث توجه أشد الانتقادات إلى الإدارة الأميركية، أكد الجانب الأميركي أن التنسيق مع دول المجلس كان له دور في التوصل إلى وقف إطلاق النار، وأكدت القمة الثوابت المعروفة لحل القضية السورية، بما في ذلك الانتقال السياسي بدون بشار الأسد، والحفاظ على مؤسسات الدولة، والتمسك بوقف العمليات القتالية، وتوفير المساعدات الإنسانية لجميع المحاصرين واللاجئين خارج سورية والنازحين داخلها، ومحاربة تنظيم داعش وجبهة النصرة. ودافع الجانب الأميركي عن موقفه بأنه ما زال يختبر روسيا، وفي حال استمرت في دعم بشار، فإنه سيكون له موقف آخر. وفي العراق، حيث تتباين وجهات النظر في بعض الجزئيات، كان للتنسيق الخليجي - الأميركي دور في انحسار رقعة الأرض التي يسيطر عليها داعش بنحو (40) بالمئة. وطالبت قمة الرياض بمزيد من تخفيف التوترات الطائفية، وتحقيق مصالحة بين كافة العراقيين، ومعالجة المظالم المشروعة لجميع مكونات المجتمع العراقي. وفي الوقت نفسه، تعهد القادة بدعم جهود العراق الرامية إلى هزيمة داعش، ودعوا إلى تكثيف الجهود لإعادة الاستقرار في المناطق التي تم تحريرها من داعش.

في الشأن الليبي، حيث ينسق الجانبان الخليجي والأميركي مواقفهما، رحب القادة بتولي حكومة الوفاق الوطني في طرابلس مقاليد الحكم، ودعوا كافة الليبيين لدعم واحترام سلطة وشرعية الحكومة الجديدة، وناشدا المجتمع الدولي لمساعدة حكومة الوفاق في التصدي للتحديات التي تواجه ليبيا، بما في ذلك التهديد المتمثل في داعش.

وناقشت القمة القضية الفلسطينية في ظل استفزازات إسرائيل بزيادة الاستيطان، ومحاولة تغيير الأمر الواقع في القدس، وتجديد عزمها على الاحتفاظ بهضبة الجولان. وغالبا ما كانت هناك خلافات معروفة حول هذا الموضوع، إلا أن القادة مع ذلك أكدوا "ضرورة حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أساس اتفاق سلام عادل ودائم وشامل يفضي إلى قيام دولة فلسطينية ذات سيادة ومتماسكة جغرافيا". ولتحقيق ذلك جددوا تأكيدهم على مبادرة السلام العربية كطريقة لحل الصراع. ويبدو أن صلافة الحكومة الإسرائيلية، وعدم حاجة أوباما إلى فوز انتخابي آخر هذا العام، قد يدفعان الإدارة الأميركية إلى العمل بجدية أكثر لدفع إسرائيل إلى التفاوض، أو المخاطرة بتخلي الولايات المتحدة عنها في الساحة الدولية، حيث تتعرض إسرائيل لضغوط متعددة.

هذا فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية، فماذا عن التعاون العسكري والأمني لمواجهة أكبر خطرين تواجههما المنطقة: إيران وداعش؟ وماذا عن المبادرة الاقتصادية الجديدة التي طرحتها الولايات المتحدة في قمة الرياض؟ سأسعى إلى الإجابة عن هذه الأسئلة في مناسبة قادمة.