&سالم سالمين النعيمي

يتحدث البابا «خورخي ماريو بيرجوليو فرانسيس»، وهو بابا الكنيسة الكاثوليكية السادس والستين بعد المئتين، عن أزمة المهاجرين العرب إلى أوروبا ويصفها بـ «الغزو العربي»، وهو الوصف الذي كان متصدراً للعناوين الرئيسية التي يقرأها سكان أوروبا وكاثوليك العالم. ومن جهة أخرى، وبذكاء شديد، يقول البابا في وسط خطابه: إن تلك الهجرات من شأنها أن تعزز التبادل الحضاري بين الثقافات. والبابا عندما قال ذلك كان يلقي خطاباً أمام جمهور من المسيحيين في فرنسا، كون أزمة المهاجرين حقيقة اجتماعية تعيشها القارة الأوروبية، فلا بد أن تكون الألفاظ منتقاة كي ترسل رسائل مزدوجة، فهل هم الوافدون الجدد أم الغزاة الجدد في المنظور الأوروبي السياسي والديني بصورة خاصة؟

فالنازحون العرب إلى أوروبا يهرعون هرباً من نيران الحروب في بلدانهم لنيران عدم القبول والنظرة غير التكافئية في مجتمعات تلعب فيها الأحزاب اليمينية المتطرفة والأحزاب ذات الصبغة الدينية المحافظة دوراً كبيراً في تسير الإعلام المسيس بجانب ما يفعله قلة من النازحين من سلوك غير حضاري في تلك الدول، مما أدى إلى شيطنة النازحين، وبأنهم لا ينتمون للقارة الأوروبية، وهم غير قادرين على الانسجام مع الحياة المدنية في أوروبا، ونشر فكرة أنهم قنابل مؤقتة، وتصوير اللاجئين على أنهم مجموعة من الهمج، ولذلك تجد في دول أوروبية مثل إستونيا والنرويج وغيرهما بروز مجموعات يمينية متطرفة، تطلق على نفسها (جنود أودين)، وهي تنتشر بسرعة مذهلة خاصة بين صفوف الشباب في مختلف أنحاء أوروبا لمواجهة موجات اللاجئين العرب، وتطبيق القانون بيدها.

فلا يوجد اتفاق بين الدول الأوروبية مع تصاعد وتيرة الخوف من الأعمال الإرهابية، فتجد مثلاً رئيس الوزراء اليوناني «أليكسيس تسيبراس» يتهم النمسا ودول البلقان بتخريب أوروبا من خلال فرض القيود على الحدود، في محاولة الحد من تدفق المهاجرين المتجهين شمالاً من اليونان، وسيطرة الإجراءات الأحادية في حماية ووقاية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي ومساعدة اليونان على مواجهة تدفق المهاجرين، مع أن حصص المهاجرين تدعم بقوة إلزامية في جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ولكن بعض البلدان، وبخاصة في أوروبا الشرقية، رافضون للمختلف. ويقول أحد المعلقين الأوروبيين «اليمينيين» إن العالم يريد منا قبول النساء العربيات وهن مرتديات الحجاب. وضرب مثلاً بالاعتداءات الجماعية على النساء في كولونيا في ليلة رأس السنة الحالية.

حيث يرى العديد من الأوربيين أن المسلمين بالتحديد يرفضون الاندماج في المجتمعات التي يهاجرون لها، وبالتالي يصبحون جسماً غريباً في المجتمع، وتحديات التكامل مع القيم الأوروبية أمر بعيد المنال، والأمر سيستغرق أكثر من مجرد تغيير الملابس وجوازات السفر للوافدين الجدد.

فهناك الكثير ليتعلمه المهاجر الجديد عن الحياة اليومية في أوروبا، وحتى الأشياء الصغيرة مثل احترام إشارات المرور الحمراء وعدم التحدث بصوت عال جداً في الأماكن العامة، وعدم التحديق وإطالة النظر، والوقوف بنظام في طابور الانتظار، أو حتى المسائل المتعلقة بالنظافة الشخصية أو عدم النظر لحرية لبس المرأة على أنها دعوة للنيل منها، حيث إن العيش وفق القواعد الأوروبية يتطلب احترام وقبول الاختلاف والتنوع، وهو ما لا نتقنه بصورة عامة.

ولك أن تعلم أنه في جنوب كولونيا بألمانيا، قررت حكومة المدينة حظر جميع اللاجئين الذكور من استخدام حمامات السباحة بعد تقارير عن التحرش اللفظي المتكرر، ويجب عدم التعميم، ولكن هناك أبعاداً مختلفة لا يمكن أن ننكرها في سلوكيات فئة منا في تعاملها مع الجنس الناعم من غير العرب والمسلمين.

وفي الجانب العربي هناك أكثر من خُمس سكان لبنان الآن من السوريين، والأردن بها بلدات بأكملها مع السوريين أو يشكلون فيها أغلبية السكان، وتلك الدول تحتاج لدعم حقيقي لتخطي تلك الأزمة، وبكل صراحة الذي لا أفهمه كيف نجرؤ على لوم أوروبا في تعاملها الحذر مع اللاجئين العرب، بينما أغلبية الدول العربية لا تقبل باستضافة لاجئ عربي واحد والضغوط على المجتمعات الأوربية المضيفة لا يمكن الاستهانة بها، ولماذا لم نسمع عن مبادرة عربية لحل مشكلة اللاجئين بصورة مستدامة، طالما أن معاملة الأوربيين لا تروق لنا، وما فعلوه بصراحة جهد كبير بعد تبني المفوضية الأوروبية ملف اللاجئين العرب، بينما جامعة الدول العربية لم تتبن حتى موظفيها.