&حسن قايد الصبيحي

بتخطيط هادئ وبعملية عسكرية خاطفة كومضة البرق وبجسارة الرجال الذين آمنوا بالنصر قبل حدوثه حقق رجال السعودية والإمارات وإخوتهم اليمنيون الإجهاز على عناصر القاعدة في عموم حضرموت في يوم واحد وتناثرت أشلاء أفراد العصابة كما تتطاير أشلاء ضحايا التفجيرات الإرهابية في تجمعات المدنيين في المتاجر والأسواق في المدن العربية على يد انتحاريي القاعدة.

لجأ الكثير منهم للمدن مختلطين بالمواطنين الأبرياء وتشتتت بقاياهم في الجبال المجاورة للمدن، ونقل عن بعض المواطنين صورا من حالة الذعر التي عاشها المجرمون قتلة النساء والأطفال والحوامل والعجزة والمسنين.

فقد ذكر البعض أن الهاربين من عناصر القاعدة كانوا يتوددون للمواطنين ويلحون عليهم بإيوائهم وإخفائهم عن عيون قوى التحالف اليمنية الخليجية، بل إن البعض منهم كانوا يجهشون بالبكاء استدراراً لعطف المواطنين واستغلال عواطفهم ونزعاتهم الإنسانية. ولحسن الحظ فإن سرعة الاجتياح واتساع رقعة الهجوم لم تترك ل«الداعشيين» فرصة لاصطحاب أسلحتهم أثناء هروبهم ومغادرة مواقعهم ما ساهم في حفظ سلامة الكثير من المواطنين الذين كان بمقدور الهاربين الفتك بهم وإجبارهم على استخدام منازلهم مخابئ للتخفي عن جيش الشرعية وأفراد المقاومة.

كان أفراد القاعدة القابضون على جل حضرموت ومحافظة أبين وحوطة لحج وحي المنصورة الاستراتيجي الذي تحيط به أحياء الشيخ عثمان ودار سعد من الشمال ومدينة الشعب والبريقي مدينة مصافي التكرير من الغرب ثم الأحياء الراقية في خور مكسر والمعلا والتواهي الواقعة على حواف ميناء عدن الشهير من ناحية الجنوب.

كان هذا الموقع الفريد لمدينة المنصورة فضلا عن وجود عدد كبير من «الإصلاحيين» والمتطرفين مصدر جذب للقاعدة فسيطروا على الحي وكدسوا فيه العتاد وسيارات التفخيخ وظنوا لوهلة أنهم قادرون على قهر القوة المسؤولة عن أمن عدن من الإماراتيين والمقاومة الجنوبية وقوات النخبة السودانية،وما شجعهم على المضي في هذا الاعتقاد أنهم نجحوا في اختراق الحاجز الأمني لعدن ونفذوا عدداً من التفجيرات راح ضحيتها أحد محافظي عدن وأفضلهم على الإطلاق.

أما محافظة أبين وهي لا تبعد كثيراً عن مدينة عدن فقد بدأت القاعدة وجودها الفعلي في وقت مبكّر ربما في أوج الزخم التي كانت تعيشه تحت قيادة مؤسسها الأول أسامة بن لادن. وساعد على انتشارها وجود شخصية قيادية من الأسرة الحاكمة السابقة حين كانت سلطنة آل فضل هو الأمير طارق الفضلي، إلا أنه وبمرور الأيام بدا وكأنه ينأى بنفسه عن القاعدة.

أما عن حضرموت فإن انتصار التحالف على القاعدة يساوي في نظري الانتصار على الحوثي وصالح وإعادة الحكومة إلى صنعاء.

قليل منا شاهد نحر 15 جندياً تم اعتراضهم في إحدى طرق حضرموت على يد القاعدة وجرهم إلى إحدى المدن المجاورة للطريق. كان ذلك في أبريل 2014 بعد أن استولت على معظم أراضي المحافظة، وكان المشهد بربرياً ومقيتاً حين قيدوا الجنود وجمعوهم في دائرة وأطلقوا عليهم عدداً من الجزارين من أفراد القاعدة وبيد كل منهم سكين للذبح وكنا نسمع استغاثة الجنود والوحوش البشرية تفعل في رقابهم السكاكين وكأنهم مجرد خرفان.

سيطرت القاعدة على حضرموت الميناء والمطار وميناء تصدير النفط (الظبة) ومساحة تقارب نصف اليمن، وساد الاعتقاد بأن القوة المدافعة عن الشرعية قد تستعيد تعز وقد تحرر صنعاء وقد تنزل الهزيمة الساحقة بالحوثيين وصالح ولكنها أمام مهمة مستحيلة تتمثل في استحالة استعادة حضرموت وأبين من يد القاعدة.

هنا تأتي أهمية الضربة الخاطفة التي تمت بين عشية وضحاها حيث تم الإجهاز على «القاعدة»، بعدما خصصت قوة التحالف العتاد المناسب من الآليات والجنود والمدرعات وطائرات «الأباتشي» بحيث لم يترك المجال للقاعدة وعصاباتها الإجرامية فرصة لالتقاط الأنفاس وسقطت قلاعها في المحافظات الثلاث.

الأيام المقبلة ستكشف لنا تفاصيل هذه العملية النوعية وتحقيق ما عجزت عن تحقيقه جيوش دول كبرى. وقد تشكل درساً لإرهابيي «داعش» وأخواتها في العراق وسوريا.

ماذا فعل التحالف الدولي الذي ضم دولاً كبرى مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا لهزيمة «داعش» التي تذبح في أبناء العراق وسوريا وتذهب إلى عواصمهم تفجر في الشوارع والمطارات ومحطات القطارات والملاهي والمقاهي ؟

وماذا فعلت في المقابل القوات السعودية والاماراتية في عملياتها الخاطفة لأكبر قواعد القاعدة في العالم العربي ؟ وأين ذهب المرجفون الذين ظلوا يشككون بمهمة قوات التحالف العربي في اليمن ؟

اليقين أن تجربة المكلا سوف تجد مسارها الواعد في تعز وصنعاء، فالقاعدة الذهبية التي تم اكتشافها أن النجاح إذا تحقق ووجد من يتبناه ويدعمه، فإنه لا يتوقف ويمضي بلا حدود.