&أحمد الجميعـة

المشهد العراقي المأزوم داخل مكوناته وأحزابه منذ الاحتلال الأميركي العام 2003، والتدخل الإيراني السافر في شؤونه، ومصادرة قراره، وإرادته، وعروبته، ومواقفه من قضايا الأمة؛ لا يزال اليوم أسوأ مما كان، وربما مما سيكون، حيث بات واضحاً أن هناك فصولاً تكتب من الداخل هذه المرة، حين قرر الشعب مواجهة نقمته، ومصدر مشاكله، ورفع الشعارات والأصوات المنددة بالوجود الإيراني الذي فشل في مشروعه بعد مضي عقدٍ من الزمن ويزيد، ولم يتحقق للعراقيين أبسط مقومات عيشهم بأمن وتنمية وكرامة، بل أسوأ من ذلك حين وصل الأمر بالرموز والأحزاب في تصفية إرثها السياسي والديني فيما بينها، وتقسيم الشارع وتأزيمه على أساس تحقيق مصالح شخصية فئوية، وليس الحفاظ على العراق موحداً، قادراً على النهوض بمكوناته إلى حيث التغيير الذي يبدأ حتماً في الخلاص من إيران.

لقد أدرك العراقيون أن إيران سبب المشكلة ومحور الأزمة التي يعيشونها، والفشل الذريع الذي وصل بهم إلى طريق مسدود، ولا مجال للحديث بينهم عن دولة تحميهم، أو حتى تجمعهم، وهي مقسمة بين مليشيات وحشود شعبية مسلحة، وجيش عاجز عن المواجهة، وحكومة منفصلة عن الواقع ومنحازة لتسويات حزبية مصالحية، وبرلمان معطل، وتنمية معدومة في أبسط مقوماتها، وإرهاب داعشي يحتل بعض محافظاتها ويضرب بقوة في مواقع حيوية وتجمعات شعبية لتمديد نفوذه وهيمنته.

الحال الذي وصل إليه العراق ليس ناتجاً عن حراك سياسي يمكن أن يصل إلى حل، أو حوار وطني قادر أن يحد من التدخل الإيراني، أو دعم أميركي يستطيع أن يحتوي ما تركه من فراغ، وإنما ما وصل إليه ناتج عن حالة إفلاس وانهزام أمام واقع مرير ومخيف، ولحظة انكسار مؤلمة حينما تصطف المسيرات وتتجمع الحشود وتتعطل الحياة، ويقف الجميع على هاوية صراع سياسي بين أحزاب متنافرة تبحث لها عن حضور شعبي، ومكاسب على حساب العراق الدولة، ومصالح شخصية للخروج إلى الشعب في هوية بطل منقذ ولكنه لا يملك قراره.

المملكة تراقب باهتمام الوضع في العراق من دون تدخل في شؤونه، أو تسييس دعمه الإنساني للنازحين والمحاصرين بفعل إرهاب داعش والمليشيات المأجورة، وتدرك أنه دولة جاره، ويربطها معه حدود جغرافية، ويؤلمها ما تراه من فوضى وخروج عن السلطة، وتنشد مع ذلك للعراق والعراقيين الأمن والاستقرار، والحد من التوترات الطائفية، وتنفيذ المصالحة بين جميع مكونات شعبه، بما في ذلك معالجة المظالم المشروعة لبعض فئاته، وتنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية لحكومته.

المملكة لا ترى في العراق إلاّ عروبته التي يجب أن تبقى، وقراره المستقل بإرادته، وثرواته التي يحصدها الشعب وليس سواه، وعلاقاته التي تحترم الجوار، وتدافع عن مشروعات الأمة ومقدراتها.. المملكة لا تريد أن ينجرّ العراق إلى فوضى طائفية، أو حزبية، أو مواجهات عسكرية؛ لأنها سوف تكون أول المتضررين، خاصة وأن داعش وأخواتها مستوطنون هناك، ويعيشون على مثل هذه الفوضى، ويقتاتون منها، ويحلمون أن تكون العراق بوابتهم إلى المنطقة.. المملكة ليست بحاجة إلى جبهة أخرى من الاضطرابات على حدودها، ولا ترغب مطلقاً أن ترى العراق مأزوماً في سلطته، أو محروماً من قدرته، وإنما تريد أن يبقى عزيزاً بشعبه الوفي، ويتجاوز مشكلاته، ومواجهتها على أساس أن القادم أصعب إذا لم يتخل الساسة هناك عن طائفيتهم ومحاصصتهم، ويلتفتون يداً واحدة إلى دولتهم لتنهض وتعود من دون أن يكون لأي دولة بما فيها إيران تدخلاً في شؤونهم.