هاني الظاهري

بعد خمس سنوات من التصريحات السياسية المتضامنة مع حق الشعب السوري، والاجتماعات الدولية الطارئة والقرارات الأممية وضجيج القنوات الإخبارية أصبح من الواضح تماماً أن الضمير العالمي باع القضية السورية علانية وقرر إغماض عينيه عن المجازر البشعة التي مازالت تستهدف المدنيين السوريين بشكل غير مسبوق تاريخياً.

هنالك أسباب بلا شك دفعت العالم باتجاه هذا القرار غير المعلن الذي لم يكن في حسبان أبناء الشعب السوري عندما خرجوا إلى الشوارع عام 2011م مطالبين برحيل النظام الدكتاتوري.. أسباب قلبت المعادلة رأساً على عقب ووفرت مخدراً لضمير البشرية يساعده على تخطي المشاهد الدموية المرعبة وتجاهل صرخات الأطفال والنساء بل وتحميلهم مسؤولية ما يحدث جزئياً بتصنيفهم كـ «معارضة سياسية» وليس شعباً ذبيحاً من الوريد إلى الوريد.

أول أسباب التجاهل العالمي لما يحدث في «حلب» حالياً هو الخوف من «توسع رقعة الإرهاب الإسلاموي» المتمثل في تنظيم داعش وجبهة النصرة وغيرهما، فما لا يستطيع السياسيون الغربيون قوله بشكل صريح هو أن العالم اليوم مستعد لقبول كل المجازر التي يرتكبها النظام الأسدي وحلفاؤه مهما كانت بشاعتها ودمويتها مقابل القضاء على التنظيمات الإرهابية التي تهدد العواصم الأوروبية بعمليات متفرقة بين فترة وأخرى، وقد بدأ هذا الموقف بالتشكل عقب مذبحة مجلة شارلي إيبدو في العاصمة الفرنسية مطلع 2015م، ثم تبلور مع تفجير مسرح باتاكلان والهجمات المصاحبة له في باريس منتصف نوفمبر 2015م وأخذ في التصاعد شيئاً فشيئاً حتى وصل قمته مع تفجيرات مطار بروكسل في شهر مارس من العام الحالي، ولا يخفى على المتابع أن كثيراً من التحليلات السياسية الغربية تضع هذه التنظيمات الإرهابية كمكون أساسي من مكونات الثورة السورية وتتجاهل الأسباب الحقيقية لصناعتها والأيدي الخفية التي تحركها وتستغلها لضرب السوريين قبل غيرهم.

ثاني أسباب تغافل الضمير العالمي عن مجازر حلب هو الخوف من استمرار الأزمة السورية لفترة أطول وبالتالي غرق أوروبا باللاجئين أكثر وأكثر، فأزمة اللاجئين وما صاحبها من ضغوطات على الحكومات الغربية بشكل أدى لتصاعد مؤشر جماهيرية الأحزاب المحافظة والعنصرية في عدد من الدول الأوروبية أمر علق جرس الخطر لدى الأحزاب الديموقراطية الحاكمة التي أصبحت تنظر إلى مجازر النظام كمخلّص وحيد للمسألة السورية، على اعتبار أن تحمل الألم في سبيل العلاج أفضل من استمرار المرض، وربما عُقدت الصفقات في القاعات المغلقة لتبرير استخدام نظام الأسد وحلفائه للقوة المفرطة لإنهاء الأزمة بأسرع وقت.

السبب الثالث للتجاهل الدولي لمجزرة حلب يتمثل في فشل مكونات المعارضة السورية فشلاً ذريعا في التعاون والتوحد ونبذ التنظيمات الإرهابية لتشكيل بديل سياسي قوي يقبله الغرب للنظام المجرم في دمشق، وهذه مسألة تحتاج لكثير من التفصيل لاتتسع المساحة لتناوله هنا بشكل كافٍ.

أما السبب الرابع والأهم لتخدير الضمير العالمي أمام مذبحة الشعب السوري فيتمثل في نجاح موسكو سياسيا وعسكريا في كبح أي رغبة دولية للتدخل العسكري في سوريا بهدف إسقاط النظام.. لقد عمل الروس كل ما يمكنهم عمله لحماية نظام الأسد حتى باتت فكرة التدخل عسكرياً لإسقاطه مرتبطة بقيام حرب عالمية جديدة لا أحد يريدها أو يريد تخيلها، ولذلك قرر ضمير العالم أن ينام مؤقتا لحين تمكن السوريين من إنهاء أزمتهم بأنفسهم.