محمد صالح

بعد أن تمكن مقاتلون أكراد بالتعاون مع الميليشيات الشيعية عام 2014 من طرد مقاتلي تنظيم «داعش» من ضواحي بلدة «طوز خورماتو» الواقعة شمال العراق، سرعان ما اندلعت سلسلة من الاشتباكات بين هذين الحليفين لم تصمد أمامها عدة اتفاقيات لوقف إطلاق النار، وهي تنذر بتعميق الخلافات بين الأطراف المتصارعة في العراق في المستقبل، ويبدو أن الاهتمام بالتهديد الذي يمثله «داعش» قد تضاءل بعد أن استحوذت الخلافات الحدودية المعقدة على اهتمام الأكراد من جهة، والقوات الشيعية الموالية لبغداد من جهة ثانية.

وفي آخر حلقات هذا المسلسل، لقي أكثر من عشرة مقاتلين من الطرفين حتفهم في اشتباكات دامت خمسة أيام اندلعت عندما أقدم مقاتلون شيعة مدعومون من حكومة بغداد وإيران، بإلقاء قنبلة يدوية على منزل قيادي كردي. ومع تأجج مشاعر العداء بين المقاتلين الأكراد والقوات المدعومة من بغداد، وانهيار الاتفاقات المتكررة لوقف إطلاق النار، يتخوف الكثير من المراقبين من تعقّد المعركة ضد «داعش»، وبما ينذر باستمرار الصراعات الدائرة في العراق.&

وقال كريم النوري الناطق باسم الميليشيات الشيعية: «بعد أن نجحنا في طرد مقاتلي «داعش» من هذه المنطقة، فإن القتال الدائر بين مقاتلي الأكراد والشيعة سيكون في مصلحة التنظيم الإرهابي ويزيده قوّة».

&وكان الطرفان الكردي والشيعي قد توصلا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في 24 أبريل الماضي في بلدة «طوز خورماتو» إلا أنهما واصلا التراشق بقذائف المورتر حتى يوم الأربعاء الماضي عندما اتفقا مرة أخرى على إسكات أسلحتهما في كل المناطق المحيطة بالبلدة التي انقسمت إلى قطاعين منفصلين أحدهما يسكنه الأكراد فيما يتألف معظم سكان القطاع الآخر من التركمان الشيعة، وهناك أيضاً وجود كثيف للمقاتلين الأكراد والشيعة المتمترسين في مواجهة بعضهما البعض، فيما تتولى الشرطة المحلية مراقبة الأوضاع وتسعى لدى الطرفين لسحب تلك القوات من المنطقة كلها.

وكانت الخلافات الإثنية والسياسية التي أثارت التوتر لعدة عقود في هذه المنطقة الاستراتيجية التي تقع إلى الجنوب من مدينة كركوك الغنية بالنفط، قد تأججت عندما اقتحم تنظيم «داعش» المناطق الشمالية من العراق في شهر يونيو من عام 2014، وتمكنت قوات البشمرجة الكردية من استلام زمام المبادرة وراحت تتقدم باتجاه الجنوب، وسيطرت على بعض المناطق بما فيها كركوك ذاتها بعد انهيار مقاتلي القوات العراقية وفرارهم أمام تقدم مقاتلي «داعش»، ولم تتوقف الحكومة الشيعية في بغداد عن إعلان ملكيتها لتلك المناطق فيما كان الأكراد يتمسكون بها باعتبار أن تبعيتها لحكومة كردستان العراق لا تقبل المساومة.

&

وفيما يبدو الآن أن الهدوء الظاهري يسود «طوز خورماتو»، إلا أن الشكوك المبادلة التي تنتاب الطرفين لا تزال عميقة، وقال المقاتل الكردي الرقيب ماريفان في وصفه للميليشيات الشيعية: «لا يمكن أن يكونوا موضعاً للثقة»، وعندما نطق أمامي بهذه الجملة، كان يعبث برصاصة بندقية بيده، وبعد بضعة أيام فحسب، كان هو وجنوده من قوة النخبة التي تُدعى «القوة السوداء»، يخوضون معارك مع الميليشيات الشيعية التي كانت تتولى حراسة مجمع يمتلكه قائد «منظمة بدر» الشيعية القوية. وقال لي في تعقيبه على تلك المعارك: «إنهم يحاولون السيطرة على طوز خورماتو وكل المناطق المحيطة بها».

&

وكان لدى الناطق باسم الشيعة «نوري» الكثير من الأوصاف الحسنة بحق البشمرجة الكردية بما يوحي بارتفاع مؤشرات الثقة بين الطرفين، وقوله إن هذه الميليشيات لعبت دوراً رئيساً في إضعاف تنظيم «داعش» وسط العراق، وهي تتمتع الآن بدعم من الحكومة العراقية وإيران، وقال محذراً: «ولكن، لو أراد أي إنسان أن يمدّ حدوده عن طريق الدم، فسيرتكب خطأً جسيماً، ولن نسمح له بذلك».

&

وتحاول الميليشيات الشيعية تعزيز مواقعها في «طوز خورماتو»، والقطاعات التي تقع شمالها حيث يقيم عدد كبير من السكان الشيعة. وفي المقابل، يسعى الأكراد لبسط سيطرتهم على تلك المناطق قبل انطلاق الهجوم الواسع المقرر نهاية العام الجاري من أجل طرد «داعش» من الموصل.

*محلل متخصص بشؤون الأكراد مقيم في أربيل

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»