مولاي التهامي بهطاط&

إعمال "شرع اليد" سيناريو تكرر مؤخرا أكثر من مرة، في أكثر من مكان، ولأسباب مختلفة..

&نفس المشهد.. مواطن يرتكب "جريمة" ما، فيتطوع الشارع لـ"محاكمته" وتنفيذ "الحكم" عليه في نفس اللحظة، وهو حكم غالبا ما يكون عبارة عن ضرب وسحل وإهانة..

&مشهد غالبا ما يتم توثيقه عبر الهواتف النقالة، قبل تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي..حيث غالبا ما يحظى بإشادة واسعة من طرف المعلقين..

&الوجه الآخر للصورة يتمثل في تحرك بعض الفاعلين الجمعويين - مغاربة وأجانب- للتنديد بهذه الفوضى.. لتتحرك الأجهزة الأمنية والقضائية لاحقا لمتابعة بعض "المعتدين"، مع تركيز بعض "السياسيين" و"الحقوقيين" على ترديد كلام من قبيل : إن الدولة وحدها تحتكر حق تطبيق القانون على المخالفين..&

لفهم خلفيات هذه الظاهرة، لابد من النزول إلى الشارع، والوقوف على الطريقة التي يفكر ويتحرك بها "الجمهور"..&

لابد من الاعتراف أولا بأنه لا توجد قوة يمكن أن تقف في وجه كتلة بشرية تتحرك بشكل هستيري جماعي، كما لا يمكن أصلا التنبؤ بما يمكن أن يصدر عنها من أفعال وردود أفعال..

&أمام بوابات المدارس مثلا، يمكن أن نشاهد نموذجا يوميا لهذه الهستيريا المتدحرجة التي تجعل تلميذا منضبطا في بيته وداخل قسمه يتحول إلى مشاغب من الدرجة الممتازة.. قد يتفاجأ كل من يعرفونه عن قرب، لهذا الانقلاب التام في طريقة تصرفه، كما لو أننا أمام مريض مصاب بداء ازدواجية الشخصية.. رغم أنها "حالة نفسية" يؤكد الباحث العراقي، د. وائل فاضل علي، أنها "أصبحت سمة من سمات الشخصية الطبيعية حيث لم تعد حالة اضطراب نفسي متميز المظاهر والأبعاد بل أصبحت شيئاً طبيعيا يمارسه الفرد في حياته اليومية بشكل طبيعي اي بمعنى آخر أنه حتى الشخص السليم نفسياً يمارس وعن وعي تام او من غير وعي ازدواج الشخصية.."..&

ونماذج آخرى يمكن متابعتها في وسائل النقل العمومي ومختلف الأماكن والمرافق العامة.. ولا يقتصر الأمر على أطفال يافعين أو حتى مراهقين متمردين، بل تنتقل عدوى "الهستيريا" أحيانا إلى شباب يطرقون أبواب الرجولة..

&أما ما يحدث في ملاعب الكرة، فلا يحتاج أصلا إلى تعليق..&

قد يدخلنا المختصون في علم النفس في متاهات متشابكة عند تحليلهم لهذه الظاهرة، لكن الخلاصة التي لا تحتاج إلى إطناب، تتمثل في أنه يكون من الصعب السيطرة على أمواج بشرية هادرة تستغل أي "ثغرة" للتنفيس عن "مكبوتاتها"..

&حن شعب عنيف جدا، رغم الكليشيهات التي يحاول البعض تعميمها عن "التسامح"، ولا نحتاج إلى دليل على ذلك، فشوارعنا قابلة للاشتعال لأتفه سبب، بل ودون سبب.. وفي واقعة خولة ودنيا الأخيرة، مثال حي على المنحى الذي قد تأخذه الأمور، حتى وسط الجنس اللطيف..&

ولهذا، علينا أن ننظر إلى مسألة إعمال "شرع اليد" من هذه الزاوية، أي من منطلق العنف المكبوت الذي يبحث عن أية فرصة للتعبير عن نفسه..

&العدوانية التي يتم التعامل بها بين مستعملي الطريق، وفي مواجهة الأملاك والتجهيزات العمومية، والحروب التي تندلع بين الجيران وتسيل فيها دماء بسبب الخلاف حول موقع "البركاصة"، وعلميات السلخ التي تتعرض لها زوجات في الشارع العام على يد الأزواج.. وسحل المنحرفين جنسيا، وجلد اللصوص والمتحرشين عند ضبطهم متلبسين..وما إلى ذلك من مظاهر العنف الذي ينخرط فيه الجميع دون وعي، ينبغي النظر إليها من حيث كون مصدرها واحدا.. أي المواطن العادي الذي قد يصعب حصر شواهد "حسن السيرة" التي يدلي بها في حقه كل من يعرفونه.. لكنه سرعان ما يكشف عن وجهه الآخر كوحش لا يمكن ردعه..

&ما يهمنا هنا تحديدا، هو الظاهرة التي تواترت أخيرا والمتعلقة بقيام المواطنين بمعاقبة من يعتبرونه خارجا عن "الجماعة" أو متحديا لـ"أعرافها" و"مشاعرها".

&لنعد بالذاكرة إلى ماض قريب، وتحديدا عندما قام سكان بعض مناطق الأطلس المتوسط قبل سنوات بـ"حملة تطهيرية" ضد دور الدعارة المنتشرة في قراهم منذ عهد ليوطي..

&كانت تلك إشارة واضحة إلى أن غياب "الدولة" يمكن أن يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، لكن عوض التقاط هذه الإشارة والتعامل معها بما ينبغي من الجدية، لاحظنا كيف أن كثيرين سارعوا إلى الوصفة "المجربة"، حيث تم اتهام حزب العدالة والتنمية -تحديدا- بتأسيس مليشيات "الامر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وهي خطوة كان منتظرا أن تحقق أكثر من هدف "سياسي" و"إعلامي" على المدى القصير، رغم أن المشاركين في تلك "الحملة" أعلنوا بوجوه مكشوفة انه لا انتماء -- سياسيا أو إيديولوجيا- لهم، لكن المعالجة الارتجالية لهذا الملف، ساهمت بدرجة أكبر في ترك الداء يستفحل، إلى أن أصبحنا أمام مشاهد تسيء إلى المغرب كدولة، ولهذا ليس عجيبا أن يتم تصنيف البلد في المرتبة العاشرة خلف كل من مصر وتونس والجزائر ولبنان على سلم الدول الأكثر أمنا (قناة روسيا اليوم).

&والخطير في الأمر أن واقعة بني ملال الأخيرة، حملت مؤشرا إضافيا، تمثل في أن الذين اقتحموا خلوة الشاذين كان يسبون "الدين"، (وقد تعرض حلاق وزبونه في الرباط للسب الفاحش أيضا قبل الاعتداء عليهما بسبب "الشروع" في ممارسة الشذوذ، لكن لم يتم الاهتمام بالنازلة لأن المعتدين لم يظهروا في مقطع الفيديو)، وهي إشارة معبرة، لم يلتقطها أحد بطبيعة الحال، لأن هناك من يريد خوض المعركة في غير ساحتها ولأهداف غير تلك التي يتم إعلانها..&

وفي مجال الانحراف الجنسي تحديدا، ينبغي استحضار أن الأغلبية الساحقة من المغاربة لا تنظر بعين الرضى إلى ما تعتبره "تخاذلا" رسميا أمام موجة المجاهرة بـ"الفاحشة".

&ويتضح من ردود الافعال "الفيسبوكية" على الاحكام الصادرة في قضية بني ملال مثلا، أنها ستؤجج الوضع أكثر، وستدفع "الجماهير" إلى مزيد من التطرف مستقبلا...

&فالمواطن، حتى حين لا يكون منفعلا أو واقعا تحت تأثير "سيكولوجية الجماهير"، فهو يرى أن التطبيع "الرسمي" مع بعض ظواهر الانحلال والانحراف يمسه شخصيا، ولهذا حين تسنح له الفرصة لـ"التعبير عن رأيه"، فإنه يعبر عنه بيده ورجله قبل لسانه..

&وهذا رد فعل "طبيعي" في ظل غياب ثقافة حقوق الإنسان، أو بالأحرى في ظل التشوية المنهجي الذي تتعرض له هذه الحقوق عندما تتحول إلى مبرر لاستفزاز الأغلبية الساحقة من المواطنين وإلى أداة للمس بمشاعرهم ومعتقداتهم.&

ومن المسكوت عنه في هذا المجال، مسألة مسارعة جماعة "فيمن" للقيام بحركات استعراضية تضامنا مع من تعتبرهم "ضحايا" للهمجية في المغرب..

&إن السؤال المغيب هنا يتعلق بالجهة التي تتكفل باستدعاء هؤلاء، وترشدهم في متاهات المغرب العميق؟ وهل سبب ذلك أن صدور "الفيمينات" المغربيات لا تصلح للاحتجاج؟

&فهذا الطابور الخامس، سيكون سببا في فضيحة دولية للمغرب، عندما ستقوم "الجماهير" الغاضبة حتما بسحل الأجنبيات المحتجات بتعرية الصدور -فما كل مرة تسلم الجرة-.

&قد يستغرب المرء كيف تتطوع نساء فرنسيات - تحديدا- للسفر نحو المغرب عبر الطائرة، والإقامة في فنادق مصنفة، ثم التنقل إلى قلب مدينة بني ملال لـ"التضامن" مع شواذ المدينة.. لكن الاستغراب الأكبر، يتمثل في أن جماعة "فيمن" لم تتعر مثلا في طنجة أو تطوان عندما نزل مئات الآلاف من المواطنين للاحتجاج على "سرقات" شركة أمانديس، كما لم يسبق أن تم الاحتجاج بكشف الصدور ضد عمليات النهب الممنهج التي تقوم بها الشركات الفرنسية لمقدرات الشعب المغربي في أكثر من مجال، بل لم يصدر حتى بلاغ محتشم من حريم "فيمن" ضد السعي لفرنسة التعليم عندنا ضدا على حق المواطن المغربي في أن يتعلم بلغته الرسمية..

&نفس الملاحظة تسجل عن وسائل الإعلام الفرنسية التي تطير بسرعة البرق إلى أية نقطة من التراب المغربي لتغطية وقائع الاعتداء على الشواذ، مع أن جرائم الاعتداء على الناس بسبب ميولهم الجنسية لا تخلو منها حتى فرنسا بلد "الأنوار"، وبالمقابل فإن هذه الصحف وتلك القنوات تصاب بالبكم والصمم وهي ترى غزوات المقاولات الفرنسية في المالين الخاص والعام بالمغرب..

&ويبقى السؤال مشروعا أيضا عن سر اقتصار نضال "فيمن" على الجبهة المغربية والتونسية، ولماذا لا تتعرى مناضلاتها في الجزائر مثلا أو إيران التي فرضت الحجاب على مضيفات الطائرات الفرنسية، أو في سوريا التي تتعرض فيها المرأة للإبادة؟&

إن النتيجة الحتمية للوضع الذي نعيشه اليوم، والمتمثل في عجز أجهزة الدولة عن تطبيق القانون، واكتفائها برد الفعل الذي يحسب ألف حساب لجهات خارجية ولا يقيم وزنا للرأي العام الوطني، ستكون (أي النتيجة) دفعا للمواطنين لتشكيل لجان شعبية و"مليشيات" ستطور عملياتها في المستقبل بشكل يتجاوز القضاء والقانون وسلطة الدولة..

&ألا هل بلغت؟