محمد الصياد
&
كان مقرراً أن يجري استفتاء شعبي في بريطانيا لتحديد بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي من عدمه، في عام 2017. ولكن يبدو أن الأحداث وتداعياتها محلياً وأوروبياً، قد فرضت على الحكومة البريطانية التي يقودها حزب المحافظين، إعادة جدولة أولوياتها، وتقديم موعد إجراء الاستفتاء إلى الثالث والعشرين من شهر يونيو/‏حزيران المقبل.
&
كانت الاعتراضات البريطانية على سياسات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالهجرة، منصبة في الأصل على «تسكين»، وتمكين مواطني الاتحاد الأوروبي من الدول المنضمة حديثاً للاتحاد الأوروبي، وتحديداً مواطني بلدان أوروبا الشرقية والوسطى، من الوصول إلى كل المزايا الاقتصادية والاجتماعية التي يتمتع بها مواطنو الدول الأعضاء في بلدانهم، على اعتبار أن ذلك يضيف أعباءً غير محتملة في الموازنة البريطانية، فضلاً عن مزاحمتهم للأيدي العاملة البريطانية في سوق العمل البريطاني وتضخيم مستوى البطالة.&
&
ولأن القضية فرضت أولويتها، فقد كان متوقعاً تبكير الحملة البريطانية الحكومية المنظمة لتهديد وابتزاز مفوضية الاتحاد الأوروبي في بروكسل والدول الأعضاء فيه، لاسيما تلك التي تتخذ مواقف متشددة من الطلبات البريطانية باحترام «خصوصيتها» واستثنائها من حزمة الامتيازات (الحقوق) الاجتماعية الممنوحة لمواطني الاتحاد الأوروبي. وذهب ديفيد كاميرون الى أكثر من دولة أوروبية، مركزية وطرفية، للحصول على دعم حكوماتها للمطالب البريطانية. وعُقدت القمة الأوروبية التي خصصت لهذا الموضوع وموضوع موجة النازحين من الشرق الأوسط، وحصل كاميرون فيها على بعض التنازلات التي اعتبرها كافية لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، ودعا البريطانيين للتصويت على ذلك في الاستفتاء المقبل. فقد تحصل على: استثناء رعايا الاتحاد الأوروبي إلى بريطانيا من مزايا معونة العمل بشكل تلقائي، ولمدة 4 سنوات اعتباراً من اليوم التالي لإجراء الاستفتاء، من دون الاخلال بميثاق الاتحاد حول حرية التنقل وعدم التمييز، استمرار السماح للمهاجرين بتحويل أموالهم الى ذويهم في بلدانهم ولكن بكمية أقل ؛ احتفاظ بريطانيا بالحق في توقيف المشتبه فيهم بالإرهاب والإجرام، حتى لو لم يكن تهديدهم حالاً، عدم قبول الزواج المرتب من بريطانيات الهادف للحصول على جنسية الاتحاد الأوروبي والعمل في بريطانيا.
&
وتدرك بريطانيا أهمية عضويتها الكبرى في الاتحاد الأوروبي. فهي تحل ثانية بعد ألمانيا في حجم الاقتصاد، بإجمالي ناتج محلي يبلغ 2.945 تريليون دولار مقابل 3.859 تريليون دولار لألمانيا ، فضلاً عن قوتها العسكرية، التي من الصعب، إن لم يكن من الاستحالة بمكان للاتحاد الأوروبي أن يهدرها. فالاتحاد الأوروبي هو في الواقع ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وهولندا، والبقية مجرد أعضاء عاديين تستقوي بلدان المركز بأعداد سكانهم ومساحاتهم الجغرافية وأسواقهم الاستهلاكية.&
&
إنما سوف نرى هذه الدولة التي تهدد في كل مرة بالخروج و«الاستقلال» عن الاتحاد الأوروبي، على مقلب آخر وهي ترفع عقيرتها دفاعاً عن وحدة وسيادة الأراضي البريطانية والتحذير من مغبة النزعة الانفصالية لأسكوتلندا التي كانت مستقلة حتى 1 مايو1707، والتي تشكل إحدى الدول، أو الأقاليم الأربعة للمملكة المتحدة (بريطانيا) الى جانب كل من إنجلترا، وإيرلندا الشمالية، وويلز، المنشأة في عام 1800 ضمن إطار نظام ملكي دستوري. فقد قامت الدنيا ولم تقعد في لندن حين قرر الأسكوتلنديون اجراء استفتاء للاستقلال عن بريطانيا. وجرى الاستفتاء في 18 سبتمبر 2014 في أجواء مشحونة بالتشنج والانفعال الناتج عن تهديدات لندن لإدنبرة بالنتائج الاقتصادية الوخيمة لانفصالها عن بريطانيا، فكان أن حصل معارضو الانفصال على 55.3% بينما كانت نسبة المصوتين لمصلحة الاستقلال 44.7%. ولكن المسألة لم تنته بعد، فقد حقق الحزب الوطني الأسكوتلندي الداعي للاستقلال فوزاً ساحقاً في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 8 مايو 2015، بحصوله على 64 مقعداً من إجمالي المقاعد البالغ 128، ليجدد العهد باجراء استفتاء ثان وتحقيق حلم الأسكوتلنديين في الاستقلال عن بريطانيا، خصوصاً إذا لم يوفِ ديفيد كاميرون بوعوده التي أعطاها للأسكوتلنديين عشية الاستفتاء بمنحهم المزيد من الحكم الذاتي.
&
وكما أن من الصعب، إن لم يكن من الاستحالة بمكان انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لأن بريطانيا لن تجد بكل بساطة من يفتح لها ذراعها الدافئة سوى «شقيقتها الكبرى» الولايات المتحدة، إنما البعيدة عنها بآلاف الأميال، فإن من الصعب أيضاً، اقتصادياً وجيوسياسياً وأمنياً، على الأسكوتلنديين اتخاذ قرار مصيري وخطر بحجم الانسحاب من كيان المملكة المتحدة والاستقلال التام عنها.