فاتح عبدالسلام

عندما تتعدد الازمات في العراق ، تتجه الانظار الى الازمة الاخيرة ، بالرغم من انها قد لا تكون الأكبر والأخطر، في حين يتم غض النظر عن أزمات أخرى ، ربما لم تعد في نظر حكام العراق اليوم أكثر من احاديث يومية ماتلبث أن تطمرها ثرثرات سياسية صاخبة هنا أو هناك.

هناك تدرجات غير منطقية في أزمات العراق ،من احتلال ثلث البلاد من تنظيم داعش الى افلاس غير معلن للدولة في حضن الفساد العظيم ،الى مصالحة وطنية صارت من الماضي البائد ،الى ملف النازحين الذي لا أحد يعرف ما مديات تأثيره لو استمر لسنة مقبلة على هذا الحال من يأس النازحين من العودة الى بلداتهم المحررة، الى ازمات من نوع جديد داخل العملية السياسية المغلقة تشي بأن هناك من يضحك على الآخر وهناك من لا يقبل بهذا الضحك أو انه يريد أن يضحك كما يشاء على سواه من حلفاء الصراع المستمر منذ أن بنى الحاكم الامريكي المدني للعراق أولى غرف العملية السياسية المغلقة وغادر واخذ مفتاح بوابتها معه أو رماه في البحر على نحو أدق ، وظلت هكذا الامور طوال هذه السنين.

هناك نظرية اسرائيلية عملية نراها على الواقع منذ عقود تقول ان الازمة لايمكن تجاوزها الا بأزمة اكبر منها . ولأن اسرائيل تملك ما يؤهلها من ادارة الصراع بنفسها من دون الاعتماد على غيرها ولأن اسرائيل ليست عميلة إلا لنفسها وسياساتها وغطرستها، فهي تستطيع ان تفتعل ازمة وتحل بها ازمة سبقتها او تعقد الأمور كما تشاء ولا يهمها.

لكن العراق لم تستقم به دولة ذات سيادة حتى الان ، وحين ينزل نائب الرئيس الامريكي جو بايدن في نهاية نيسان في بغداد يستقبله القنصل الامريكي وضباط في المارينز، وكأنها زيارة داخلية امريكية ، اما زيارات قائد فيلق القدس الايراني الحاج قاسم سليماني فإنها اقرب من الزيارات الأهلية ، من الباب الى المحراب ،لا تصورها كاميرا ولا تتناولها أخبار . البلد بهذه المواصفات لا يعرف معنى ادارة أزمة ولا تقليد النظرية الاسرائيلية بالرغم من المسعى العملي لذلك . وهو بلد ليس يشغله بناء مصنع عملاق للحديد والصلب ولا شق نهر يوازي دجلة والفرات ولا مفاعل نووي سلمي وطبي ولا بناء معامل للأسمنت من اجل التصدير وتنويع الدخل ولا بناء ثلاثة ملايين وحدة سكنية يحتاجها العراقيون كمرحلة اولى للعيش الكريم في مختلف المدن المنكوبة أو التي لم تنكب بعد.

كل هموم البلدالآن هو عقد جلسة لبرلمان متهافت واجتماع لحكومة نصفها في الماء ونصفها في الطين .

ويقولون لماذا لم يبن العراق.

&