حسن سلمان&

& دعا رجل الدين التونسي الشيخ فريد الباجي السياسيين في بلاده إلى عدم التدخل في الدين، كما دعا رجال الدين إلى عدم التدخل في التجاذبات السياسية في البلاد، واعتبر أن الدعوة إلى المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة «محاولة للانتحار السياسي»، مشيرا إلى أن إشراف وزارة الشؤون الدينية على موسم «الغريبة» يتماشى مع قواعد الشريعة الإسلامية التي تضمن لليهود ممارسة شعائرهم وحمايتهم من الإرهاب، رافضا بالمقابل مجيء يهود إسرائيل و»كل من يعلن عداوته للعرب والمسلمين» إلى تونس.

وأضاف في تصريح خاص لـ«القدس العربي»: «أدعو علماء الدين في تونس إلى عدم التدخل في التجاذبات السياسية والقضايا الحزبية وعدم الانحياز لحزب دون آخر، ويشتغلوا بالمقابل بمهمتهم الأساسية التي تتعلق ببيان سماحة الإسلام ووحدة التونسيين، كما أدعو السياسيين إلى عدم التدخل في الشأن الديني وبالتالي يتحول السياسي إلى مفتي، ولذلك نقول لهم اشتغلوا بالسياسة ومصالح الشعب التونسي ووحدة المجتمع فهذا اختصاصكم، وعلى كل حال فالسياسيون لا يعول عليهم بشكل عام».

وأكدت دراسة حديثة أنجزتها مؤسسة «سيغما كونساي» بالتعاون مع شركات استبيان دولية، أن 70 في المئة من التونسيين يرفضون اعتماد الشريعة كمصدر وحيد للتشريع في البلاد، كما دعا أغلبهم إلى الفصل بين الدين والسياسة.

وعلّق الباجي (رئيس جمعية دار الحديث الزيتونية) على ذلك بقوله «أعتقد أن الشعب التونسي يرفض فقط التنصيص على هذا الأمر في الدستور، لأنني عندما اطلعت على القوانين التونسية وجدتها مستمدة جميعها من الشريعة الإسلامية، لكن التميز لدى المشرّع التونسي هو أنه راعى كثيرا الاجتهادات والمصالح المرسلة والتجديد في هذا المجال. ونحن، عموما، ندعم الدولة المدنية التي تراعي الحداثة وتتميز بالانفتاح والتسامح، ونرى أن كل مجال شرعي فيه اجتهاد في المسائل القانونية مسموح به».

وكانت مبادرة تشريعية تقدمها بها النائب مهدي بن غربية وتدعو للمساواة في الميراث بين الرجل والمرأة أثارت جدلاً كبيراً في تونس، حيث اعتبرها البعض «دعوة للفتنة»، فيما أيدتها بعض منظمات المجتمع المدني.ويرى الباجي أن هذه المبادرة ستفشل «لأنها مرفوضة شعبيا ولأنها تتعارض مع مجلة الأحوال الشخصية التي وضعها بورقيبة (الرئيس التونسي الأسبق) مع علماء الزيتونة وهي تخص الحياة الخاصة للمجتمع التونسي وهذا يعود لحرية الاعتقاد، والدستور يسمح للشعب التونسي أن يحافظ على عقيدته في هذه الأمور، وكل من حاول التدخل في هذا الأمر من السياسيين انتحر سياسيا». وحول الجدل الذي أثاره بعض السياسيين حول «موسم حج الغريبة» وزيارة عدد من يهود إسرائيل إلى تونس، قال الباجي «نحن في ديننا وأخلاقنا التونسية نحترم الأقليات الدينية، وهم بحكم أنهم يهود تونسيون فلهم حقوق المسلمين نفسها، كالحرمة الجسدية والذاتية والمعنوية، كما أن حمايتهم من الإرهاب وكذلك إشراف وزارة الشؤون الدينية على موسم الغريبة يتماشيان مع قواعد الشريعة الإسلامية ولا حرج فيهما».

وأضاف «ولا مشكلة لدينا في زيارة يهود العالم إلى الغريبة، فتونس بلد مضياف والحرية العقائدية مكفولة أيضا في الدين الإسلامي، لكننا نرفض دخول اليهود الصهاينة (يهود إسرائيل) وكل من يعلن عداوته للعرب والمسلمين ويؤيد الكيان والاحتلال الصهيوني». وكان الشيخ فتحي الرباعي (إمام جامع السلام في ولاية صفاقس) دعا مؤخرا السلطات التونسية إلى رجم المثليين، مستشهداً بحديث للنبي محمد يقول فيه «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به»، وهو ما أثار جدلا كبيرا في البلاد، فيما شكك بعض رجال الدين بصحة الحديث المذكور».

واعتبر الباجي أن موضوع المثلية يتعارض مع الدين والأخلاق ويرفضه أغلب التونسيين و«لكن الدين يقول من ابتلي بهذه الأمور السيئة فليستتر بستر الله ومن ستر نفسه ستره الله والعباد، ولكن نحن مشكلتنا مع التبجح بهذا الأمر والدعوة لنشره».

وأضاف «أما بالنسبة لإقامة الحد على اللواط، فالحديث ضعيف وهي مسألة اجتهادية وتعزيرية وفيها خلاف بين العلماء، وكل مسألة فيها خلاف الأمر فيها واسع ونحن نرى إلى التعزير والاجتهاد كما هو في القانون التونسي، فهو كاف».

ومن جهة أخرى، أيّد الباجي قرار وزارة الشؤون إقامة دورات لتحفيظ القرآن في المدارس التونسية بهدف مكافحة الإرهاب، مضيفا أن «الوزارة لم تعتمد فقط خطة تحفيظ القرآن لمكافحة الإرهاب، بل قامت أيضا بدورات وجولات دعوية لوعّاظ وعلماء، تشرف عليهم، يتجولون مع الشباب في المقاهي والأماكن العامة ويوجهونهم ويحاورونهم في مسألة الإرهاب ويثقفونهم ثقافة دينية سليمة، إذا هي خطة متكاملة وخطوة جيدة وموفقة».

وكان بعض السياسيين انتقدوا هذه الخطوة وحذروا من نتائجها السلبية على الشباب التونسي، فيما اعتبر آخرون أنها خطوة إيجابية، مؤكدين أن تونس تحتاج اليوم إلى خطاب ديني معتدل يواجه الخطاب المتطرف للجماعات الإرهابية التي تحاول دوما استقطاب الشباب وتحريضهم على القيام بأعمال تخريبية في البلاد.&