&&حسين التتان&

اقطعوا العالم العربي والإسلامي على أقل من «مهلكم»، من المشرق حتى المغرب ومن المحيط إلى الخليج، فإنكم ستجدون أن غالبية من انزلق من الشباب في أتون العنف والتطرف إما داخل السجون أو خارج الأوطان يخوضون معارك دموية عنيفة وإرهابية بالمجان، فهم وقود تلك المعارك التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل، فكل ما في الأمر أن هؤلاء تم التغرير بهم للدخول في معترك نزاعات مسلحة يقودها الكبار من تجار السياسة والدين، نقطة آخر السطر.

هذا هو مصير الصغار، أما الكبار من القوم، أو ما يمكن أن نطلق عليهم هنا تأدباً بالمحرضين فإنهم يتمثلون في حالتين، فإنهم إما في مأمنٍ من كل هذه المشاهد الدموية القاسية، فالمحرض على الإرهاب إما أنه مازال يعتلي منابر المساجد والجوامع للزج بالأطفال في معارك خسارة، وهو يعلم أنه لا يمكن أن يمس لأنه أعطى مريديه من الشباب جرعات من خرفاتٍ مفادها أن «لحوم العلماء مسمومة»، وأنهم مقدسون وفوق النقد والشبهات، وإما أن هؤلاء يعيشون في بلاد «الإفرنج والإنجليز» مع أفراد عوائلهم في أفخم فنادق أوروبا دون أن يمسهم أذى أو ضر!

هذا المشهد الدراماتيكي لم ولن يتغير، فهذه سنة السياسة وليست سنة الحياة، فالكبار يجنون المال وكل الامتيازات من عرق وتضحيات الصغار حتى ولو كانت تلكم التضحيات بالأرواح والأنفس في الطريق الخطأ، ومن هنا من حقنا أن نتساءل، لماذا الكثير من الأطفال والشباب والصغار من الفقراء والمعدمين داخل السجون العربية بسبب أعمالهم الإرهابية في الوقت الذي مازالت الدول ترعى وجود كبار المحرضين أو تدعهم يكملوا مشوارهم الرخيص المتمثل بخطاب الكراهية تارة وتارة بخطاب التحريض على الفتك؟! لماذا تقتل البعوض ولا تجفف المستنقعات، لماذا؟!

هذه هي الحركة الحياتية العربية السيئة في عصرنا الراهن والمتمثلة باعتقال الشجرة وترك جذورها تنمو وتتمدد في خاصرة الوطن العربي بشكل مخيف جداً، فالدول اليوم تدير المعركة ضد الإرهاب بشكل خاطئ للغاية، وبهذا النمط التقليدي في محاربتها الإرهاب فإنها لن تجني سوى إضاعة الوقت والمزيد من الخسائر، ولهذا يجب أن تكون معركتها مباشرة مع المستنقعات وليس مع البعوض. إن ما نحصيه من عدد القتلى في صفوف شبابنا العربي في المعارك التي تضرب الأوطان وتقوض جيوشها تفوق كل التصورات والأرقام، وهذا الأمر يشكل منعطفاً في غاية الأهمية من أجل إعادة النظر في معركة الحاضر لاستقرار المستقبل، فنحن نتألم كثيراً لشبابنا العربي حين يتركون مقاعد دراستهم للتوجه نحو العدمية المطلقة على طريق الموت الشرس، بينما يسرح ويمرح وجهاء الإرهاب في منازلهم المرفهة مع عوائلهم في هالة مخملية ناعمة، وهذا ما يمكن أن يكسر فينا الكثير من الألم بفقدان الإنسانية التي من أهم قيمها أن تحمي الضعيف بالقبض على الإرهابي براحة ضميرٍ مطمئنٍ بالعدالة.