&جاسر عبدالعزيز الجاسر

السقوط في مستنقع (اللوبيات) ليس جديداً على المشرعين الأمريكيين، وبالذات أعضاء الكونجرس الذين يحسبون حساب جهات التأثير السياسي والاقتصادي وقوى الضغط التي تمارس أعمالها في العاصمة الأمريكية بأسلوب مكشوف، بل إن ممثلي القوى يتواجد الكثير منهم في مكاتب أعضاء الكونجرس يقدمون ما يعتقده رجال المجلس خدمات تساعدهم على أداء أعمالهم، إلا أن الحقيقة أن هؤلاء يخدمون الجهات التي وجهتهم للعمل في هذه المكاتب؛ إذ يعدون دراسات وأبحاثاً تساند وجهات نظر تلك الدول والجهات، ويضعون خطب وإجابات أعضاء مجلس الشيوخ والنواب، وهذا العمل متبع في الكونجرس الأمريكي، إذ يضم كل مكتب عضو بالكونجرس أشخاصاً من كلا الجنسين يعملون كمساعدين وسكرتارية لـ(السنت) عضو الكونجرس، وهؤلاء الذين يعملون في تلك المكاتب لهم تأثير قوي جداً على توجهات أعضاء الكونجرس، ومع أن الأعضاء يعلمون أنهم يخدمون مصالح الجهات التي رشحتهم للعمل مع عضو الكونجرس إلا أنهم لا يستطيعون رفضهم لأن تلك الجهات هي التي مولت حملاتهم الانتخابية، وتظل تدعمهم وتساندهم إعلامياً وسياسياً، وحتى مالياً، طالما ظلوا ملتزمين بمساندة وتأييد مصالح تلك الجهات، وهو ما يجعل أعضاء الكونجرس غير مهتمين بالدفاع عن قضايا مهمة بالنسبة للأمن القومي الأمريكي، ولذا وجدنا الكثير من المواقف الداعمة للكيان الإسرائيلي رغم ضررها على أمريكا، ويظهر هذا بوضوح فيما يقدم من مشاريع قرارات تتناول المواضيع السياسية والاقتصادية وقضايا التسلح التي تصب جميعاً في صالح الكيان الإسرائيلي على حساب دافع الضرائب الأمريكي، ومع أن قرارات الكونجرس تضر كثيراً بالمواقف الأمريكية السياسية وتفضح انحيازها لإسرائيل على حساب الحقوق الشرعية لشعوب أخرى، ومنها ذات علاقة طيبة مع أمريكا، إلا أن ذلك لن يثني مؤيدي إسرائيل، وهم أكثرية، عن مواصلة دعمهم رغم الضرر الواضح للمصالح الأمريكية، وهذا يظهر بوضوح هذه المرة في تبني مشروع قرار ملاحقة المملكة العربية السعودية لتعويض أهالي ضحايا تفجيرات11 سبتمبر، فهذا المشروع الذي أجازه مجلس الشيوخ وبانتظار إجازته من مجلس النواب، بالإضافة إلى تجاوزه لأحكام قضائية أمريكية تبرّئ المملكة من هذا الزعم، إلا أنه يرسي سابقة سياسية وقانونية تضر أمريكا أكثر من غيرها من الدول، فالقرار يلغي حصانة الدول وأموالها المستثمرة، وأصولها في البلدان الأخرى، إضافة إلى حصانة كبار المسؤولين فيلك الدول.

والمشروع الذي يريد الكونجرس إقراره وابتزاز المملكة وتحميلها مسؤولية وزر عمل غير مسؤولة عنه، سيكون سلاحاً قوياً ومؤثراً لدى الكثير من الدول التي تضررت من قيام الدولة الأمريكية بأعمال عسكرية واقتصادية ألحقت ضرراً كبيراً بتلك الدول واحتمت أمريكا بالحصانة الدولية وتضمينها شروط الحصانة في تعاملها مع تلك الدول، وبإسقاطها عن طريق الكونجرس مبدأ الحصانة الدولية يصبح معاملتها بمثل ما أقره الكونجرس؛ إذا ما اعتمد من قبل الجهات الرسمية الأمريكية بما فيها الرئيس الأمريكي، وبموجب ذلك يحق لدول تعرضت لغزو واحتلال الأمريكيين إلى المطالبة بتعويضات تتجاوز الترليونات من الدولارات، والقائمة طويلة من أفغانستان والعراق والصومال وليبيا وهايتي وحتى كوبا وفيتنام.