&

زهير فهد الحارثي

هنأ الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية عبداللطيف الزياني "قادة دول المجلس وشعوبها بمناسبة الذكرى الخامسة والثلاثين لقيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، معربا عن فخر واعتزاز مواطني دول مجلس التعاون بهذه المنظومة وما حققته من إنجازات عظيمة وإنجازات شاملة في مختلف المجالات"، مؤكدا انها "أصبحت منظومة متماسكة وراسخة أمام أصعب التحديات التي واجهتها المنطقة".

حديث الزياني فيه الكثير من الصحة، لكن الأكثر صحة هو ان الشعوب الخليجية وبصراحة متناهية تعيش اليوم مرحلة مفصلية في تاريخها الحديث المعاصر، وبالتالي فهي تتوق الى صدور قرار سياسي جاد في الانتقال من حقبة التعاون الى مرحلة أكثر تجانسا والتحاما، ما يعني إيجاد تكتل قوي يقف امام كل التحديات والمخاطر التي بدأنا نشعر بقدومها وإفرازاتها.

كانت مغامرة صدام حسين بغزوه الكويت قبل ربع قرن تجربة مريرة علقت الجرس وكشفت لنا آنذاك عن حقيقة غفل عنها الكثير من الخليجيين في أن مصير دول الخليج هو واحد، ثم لم تلبث أن جاءت أحداث البحرين لتؤكد تلك النظرية بدليل الطابور الخامس الذي موّلته طهران وتم اكتشافه عبر خلايا تجسسية في بعض دول الخليج، ناهيك عن التغلغل الإخواني عبر فئة مؤدلجة تبين ولاؤها للجماعة.

كان لزاما على المجلس التكيف مع المعطيات الجديدة، وإيصال رسالة لكل الأطراف في ان وقت المجاملات والمماحكات قد ولى، فالظرف الإقليمي ودقة المرحلة يستدعيان تكاتفا جادا يدرك تاريخ المنطقة ويستوعب حساسية الجغرافيا، فالظرف الراهن لا بد وان يدفع المجلس للاستشعار بخطورة الوضع وبالتالي النظر الى المشهد من موقع شمولي.

تحديات كبيرة وغير مسبوقة تواجهها دول الخليج ما يعني انه بحاجة الى اعادة النظر في هيكله ونظامه الاساسي وتغييره جذرياً، لأنه بآلياته وأدواته الحالية لم يعد يلبِّ متطلبات المرحلة. ملفات عديدة امام المجلس منها السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي والاجتماعي، غير ان التمدد الإيراني يبقى في تقديري الهاجس الذي يقلق دول الخليج.

صحيح أن مجلس التعاون الخليجي نجح نسبيا ومرحليا في مواجهة التحديات والتحولات المفاجئة على الصُعد كافة من سياسية واقتصادية فضلا عن الحروب التي اكتوت دول المنطقة بأضرارها وآثارها، وبقي كيانه مجسدا، الا ان الإشكالية تكمن كما يبدو في التركيبة والآليات التي يقوم عليها المجلس، ما جعل محصلته أقل بكثير مما يأمله المواطن الخليجي.

ما أكتبه هنا بوحاً لصدى صوت اهل الخليج.. ليس مطلوباً من دول الخليج أن تتحمل أخطاء الآخرين وتدفع فاتورة تجاوزاتهم وتصرفاتهم وقراراتهم، وهي ليست معنية بمعالجة هموم الآخرين قبل همومها وإصلاح أوضاعهم قبل أوضاعها.. علينا أن نلتف حول بعضنا البعض كخليجيين ونفكر في مصالحنا أولاً.. عندما كنا نعاني في دولنا الفقر والجهل وشظف العيش، لم يلتفت إلينا أحد وقتها ولم يكترث إزاء معاناتنا أحد حتى أقرب الأقربين من العرب قبل العجم.. وعندما انفجر النفط في قلب الخليج أقبلوا علينا زرافات ووحدانا بحثاً عن الغنائم فخلقوا المؤامرات وزرعوا الدسائس والخلافات وشقوا وحدتنا من أجل أجندتهم الخفية.

أضف إلى ذلك أن شعوبنا أصابها الإحباط والملل من عبارة "تحقيق التطلعات" في كل قمة، حيث تُفاجأ بأن النتائج دائماً أقل من المأمول ما يجعلها تحلم بأن تتغير الصورة في القادم من الأيام.. نحن ننتقد هنا ولا نجلد الذات لأن المراد هو تحقيق مصلحة بلداننا الخليجية.. لا نريد ان ندور في ذات الدائرة المفرغة ولا ان نوعز بترحيل الملفات وتأجليها.. لا نريد أن تأخذنا اختلافات وجهات النظر إلى دائرة الإخفاقات والخلافات والتراجعات.. شعوبنا ترنو إلى تفعيل مشروعات الإصلاح وليس الوقوف عند بيانات التنظير.. يريدون معالجات أكثر موضوعية وأقرب إلى المنطق، والقيام بجردة حساب لما مضى مقارنة بما يجب أن يكون في المستقبل، وبالتالي نتخلص من عبارة "لم يعد بالإمكان أفضل مما كان".

ومع ذلك ومن باب الإنصاف، نقول إن نجاح المجلس ككتلة مرهون بإرادة أعضائه في الخروج بقرارات مصيرية.. المناخ الشفافي الذي يعيشه المجلس هذه الأيام يبعث فينا التفاؤل بحدوث اختراق في طبيعة نظام المجلس، وإن كانت مسيرة المجلس شابها بعض الأخطاء، وهذا امر متصور في هكذا تكتل، الا ان العودة إلى جادة الصواب والانتقال لواقع جديد برؤية شمولية تتجاوز التعاون والتشاور والتنسيق هو ما تحتاجه حقيقة هذه الدول.

تعقيدات المشهد الإقليمي وما نعيشه من سيولة سياسية يدفع تلك الدول بالضرورة الى أن تتحرر من الأحمال الوهمية الملقاة على عاتقها ما يعني تسريع وتيرة التحول الى صيغة أكثر فاعلية امرا مطلوبا، والاستفادة من المكانة التي تحظى بها دوله في الآونة الأخيرة التي وضعته ضمن أهم التكتلات المؤثرة في الإقليم.

صفوة القول: البحث عن صيغة لتفعيل وترتيب البيت الخليجي لم تعد ترفا بل ضرورة استراتيجية بعد مرور 35 عاما من انطلاقته لبناء خليج موحد قادر على المواجهة ما يضمن له البقاء ويحمي مكتسباته وأمنه ويحقق رفاهية شعوبه.