&وحيد عبد المجيد

طموح إيران لا يقف عند حد. أي تحليل للخطاب السياسي السائد في طهران يكشف مدى ثقة مختلف أطراف مؤسسة الحكم في تحقيق مشروعهم الإقليمي.

لا يختلف جنرالات الحرس الثوري، و«آيات الله» في مؤسسة «الولي الفقيه» وخارجها، والساسة الموصوفون بـ«الإصلاحيين». ويجمع هؤلاء كلهم ما لخصه علي أكبر ولايتي، وزير الخارجية الأسبق، وأحد أبرز مستشاري المرشد الأعلى الحالي، عندما قال في مقابلة صحفية، مطلع الشهر الجاري: «المهم أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي القوة الأكبر في هذه المنطقة».

ويحتمل مثل هذا القول احتمالين، فقد يرى مُحلَّلون أنه يعبر عن ثقة كاملة في قدرة إيران على تحقيق مشروعها أياً كانت حدوده، وقد يجد فيه مُحلَّلون آخرون تعبيراً عن غطرسة من النوع الذي كان سبباً في فشل أي مشروع عابر للحدود في التاريخ.

وبين الثقة حين تبلغ أعلى مبلغ لها، والغطرسة عندما تبدأ علاماتها في الظهور، خيط رفيع، لكنه بالغ الأهمية، فالواثق يحسب خطواته جيداً حين يتحرك في أي اتجاه، ويحرص على معرفة نقاط ضعفه، ولا يكتفي باستعراض عناصر قوته، أما المتغطرس فيُعميه الشعور بالقوة عن إدراك أن لأية قوة حدوداً، وأن القوة مهما تنامت تحمل في طياتها عوامل ضعف.

فعملية بناء القوة تتسم بتعقيد شديد في عصرنا الراهن، وأبسط عوامل هذا التعقيد أن من يبنى مقومات القوة في أية دولة ينبغي أن يحدد أولوياته، ويخصص الموارد وفقاً لها، وكلما كانت الموارد محدودة، جاء بناء القوة في أحد المجالات على حساب غيره.

وقد يؤدي ذلك إلى اختلال في مقومات القوة الشاملة للدولة، وهنا تبرز أهمية التمييز بين ثقة تقترن بفتح العين على هذا الاختلال، وغطرسة تُعمي من يُصاب بها فلا يرى عواقب فشله بعد حين.

ويعرف المطَلعون على الوضع الإيراني أن الاختلال في عملية بناء القوة لا يتيح الادعاء بأنها القوة الأكبر في المنطقة، ليس فقط بحساب المقومات الاقتصادية للقوة، ولكن أيضاً بالنظر إلى مستوى قدراتها العسكرية ونوعيتها، غير أن عناصر ضعف المشروع الإيراني ليست داخلية فقط، فقد أظهر تمرد التيار الصدري أن هناك تحديات تواجه هذا المشروع، وتُضعف أهم أدواته في العراق.

وقد أظهر هذا التمرد بالطريقة التي حدث بها، وما صحبه من هتافات ضد إيران للمرة الأولى في احتجاجات يقودها تيار شيعي، أن الخلافات بين بعض القوى الموالية لطهران وصلت إلى مستوى قد يحول دون إحكام سيطرتها على العراق، لكن الأهم من ذلك أن هذا التمرد يُمثل تحدياً للمنهج الذي يقوم عليه مشروع إيران الإقليمي، وهو الاعتماد على أذرع محلية موالية لها.

ويبدو أن اطمئنان إيران إلى هيمنتها على العراق أعاق إدراك المدى الذي يمكن أن يبلغه تصدع ذراعها المحلية منذ اشتداد الصراع على رئاسة الحكومة، لم يستطع مهندسو مشروع إيران الإقليمي إدراك أن الأزمة قابلة للتفاقم داخل «البيت الشيعي»، الذي اعتمدت عليه لتدعيم نفوذها في العراق واستخدمت بعض ميليشياته لدعم نظام الأسد في سوريا.

وبلغت الأزمة ذروتها، عندما أعلن مقتدى الصدر تمرده على الطبقة السياسية الممثلة لهذا «البيت الشيعي»، وكان الشريك الأصغر فيها. عندئذ بدت ذراع إيران في العراق مهددة ليس بالانقسام فقط، بل بالاقتتال أيضاً عندما قررت بعض ميليشيات «الحشد الشعبي» دفع قواتها إلى حزام بغداد، عقب اقتحام أنصار الصدر البرلمان في 30 ابريل.

وكان المشهد أشد خطراً على المشروع الإيراني مقارنة بأحداث 2008 عندما استخدم نوري المالكي تلك الميليشيات إلى جانب قوات عراقية في استهداف الصدريين.

وليس هناك ما يدل على أن إعلان الصدر اعتكافه شهرين عقب استدعاء طهران له سيهدئ أزمة «البيت الشيعي»، بدليل مباركته التظاهرات التي اقتحمت المنطقة الخضراء مجدداً، الجمعة الماضي، فهناك فصول منتظرة لهذه الأزمة التي تنطوي على تهديد حقيقي للحلقة الأكثر أهمية في مشروع إيران الإقليمي.