&ناصر الصِرامي&

..هل تعتقد أننا سنودع الصحافة الورقية فقط، وأن الإعلام التقليدي سيتلاشى شيئاً فشيئاً؟ عليك التفكير مجدداً الآن، يبدو أن المفاجأة أكبر..!

وفيما نحن نفكر بهذا الحصار اليومي بين وسائل اتصال اليوم وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة والمثيرة التي اقتحمت الإعلام بشكل شامل، أصبح أمامنا ما هو أهم، حيث التغير التقني وتحولاته الهائلة فوق كل الصناعات، والثقافات والتحفظات والانغلاق!

إليكم «الصحفي الإلكتروني»،- صحفي أو صحفية لا يهم!-، إنه لا يأخذ استراحة لشرب القهوة أثناء العمل، بل ينتج مقالاً وتقريراً تلو الآخر بسرعة البرق، ولا يوجد له راتب تقاعدي ولا تأمينات ولا ضمان صحياً، لا يغضب أو يتقلب مزاجه، ولا يهتم كثيراً لتعليقات السب والشتم المعتادة من العرب، هو ببساطة ليس بشراً، وإنما خوارزمية حاسوب جرى توليف دقتها لترجمة البيانات الخامة مثل جداول الأرباح، وتحويلها إلى معطيات ضمن تقارير إخبارية مقروءة..!

في هذه اللحظة يتولى كل نصف دقيقة برنامجاً لشركة متخصصة بالذكاء الاصطناعي، استخلاص وكتابة أخبار مجريات مباراة كرة سلة، ومراجعة لبيان أرباح شركة، أو ملخص سباق رئاسي بالاستناد إلى ما ينشر على تويتر..!

صحيح أن هناك ركاكة تكشف أن «صحفياً إلكترونياً» من كتبها، لكنها مقبولة مرحلياً كما هو الحال مع خبر كتبه برنامج من شركة «نراتيف ساينس» ونشر بمجلة فوربس الاقتصادية.

حيث هناك شركة أخرى اسمها «أوتوميتد إنسايتس»، تعمل الآن على الجيل التالي لتقديم أخبار «آلية» في مجال الأعمال والرياضة لمواقع متخصصة.

وشركتها الشقيقة «ستات شيت» متخصصة في أخبار الرياضة، تقدم معلومات عن أكثر من 400 فريق رياضي، وتقدم إحصاءات وجداول ورسومات بيانية للمستخدم عبر تطبيق خاص.

المؤسسات الإعلامية أمام تحديات ضخمة وتحولات مستقبلية قريبة جداً، وقد لا تحتاج لجيش من الصحفيين والكتبة، بقدر حاجتها لمنتجين لضبط الجودة والإيقاع..!

مقابل ذلك ظهرت تقرير لمؤسسة «نايت فاونديشن» الأميركية أن الناس يستهلكون الأخبار على الأجهزة المتنقلة، وأن سبل الوصول إلى الأخبار تحولت إلى وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الجوال الإخبارية.

ووجدت الدراسة أن 89 % من مالكي الأجهزة المتنقلة في الولايات المتحدة - 144 مليون شخص- يستخدمون هواتفهم للوصول إلى الأخبار والمعلومات، وأكثر من نصف الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي على هواتفهم يستخدمونها للوصول للإخبار، حيث تأتي بعد التلفزيون - حتى الآن - على رأس مصادر الأخبار.

إحصائية عالمية أعلنت على هامش قمة شبكات التواصل الاجتماعي بعمان الأسبوع الماضي، أظهرت أن عدد الناشطين على مستوى العالم في مواقع التواصل الاجتماعي تجاوز ملياراً ونصف مليار شخص، يحملون حجم تأثير سياسي واجتماعي وثقافي وحتى اقتصادي واضح.

الإحصائية نفسها كشفت لنا أن هذه المواقع تحولت إلى منصات أعمال وصحافة ناجحة درت عائدات مالية فاقت قيمتها ثمانية مليارات دولار خلال عام 2015 فقط. وأن 41 % من مجموع سكان السعودية لديهم حسابات على موقع تويتر، وهم في المرتبة الأولى بمعدل تسعة ملايين حساب نشط وأكثر من نصف مليون تغريدة يومية. وتوتير مؤشر واحد، عليك أن تفكر بنصف الأرقام على الأقل في فيسبوك وانستغرام، وسناب، وذلك الكم الهائل من المحتوى المحلي والمشاهدات على اليوتيوب. وهناك الآن نحو 2000 تطبيق للتواصل الاجتماعي حول العالم.!

الأرقام ضخمة والتحولات التقنية لا يستهان بها .. وقد يصعب عليك من اليوم ولاحقاً أن تعرف مصدر المحتوى القادم، هل هو إنسان فعلاً.. أم برنامج يقرأ اهتماماتك ونزواتك بدقة.. قبل أن يختار المحتوى التالي المواجه أو الموجه لك.. !

صناعة الإعلام محاصرة اليوم بشكل مثير عبر تحديات مهنية كمية ونوعية تستحق المراقبة والدراسة..!

&&