حسن سلمان

&&لم يتوقف الجدل في تونس حول إعلان حركة «النهضة» قبل أيام التحول إلى حزب مدني بمرجعية إسلامية، لكن اللافت هو التباين في آراء الأحزاب الإسلامية في البلاد حول خيار النهضة الفصل بين الجانبين السياسي والدعوي. حيث أيد البعض هذا الأمر على اعتبار أن مدنية الدولة تستدعي الفصل بين السياسة والدين، فيما اتهم آخرون الحركة الإسلامية بـ»التنكر» لأنصارها عبر التخلي عن مرجعيتها والتحول إلى حزبي علماني.

وكانت الحركة تبنت رسمياً خيار الفصل بين الجانب السياسي والدعوي خلال مؤتمرها العاشر الأخير، مؤكدة تحولها إلى حزب سياسي مدني بمرجعية إسلامية، مع ترحيل الجانب الدعوي إلى المجتمع المدني.

ويشيد رئيس مجلس شورى حزب «جبهة الإصلاح» الإسلامي رفيق العوني بخيار «النهضة» الأخير، ويرى أنه الخيار المطلوب حالياً، وخاصة في ظل دولة مدنية كتونس.

ويضيف في تصريح خاص لـ«القدس العربي»: «نبارك للنهضة نجاح مؤتمرها الأخير بما أفرزه من مؤسسات وقيادات ونتمنى لهم التوفيق في هذه الفترة الصعبة وخاصة أنهم شركاء في الحكم ونشكرهم للمساهمة في استقرار البلاد، ونرى أن فكرة الفصل بين الدعوي والسياسي ضرورية كي تقوم كل جهة بدورها، فالحزب السياسي عليه التفرغ لمعالجة مشاكل الحكم والاقتصاد والتنمية وغيرها، وترك الجانب الدعوي لأهل الاختصاص».

وحول إعلان الحركة التحول إلى حزب مدني بمرجعية إسلامية، قال العوني «من الضروري أن يكون الحزب مدنياً والدولة مدنية أيضاً، وهذا لا شك فيه، والفصل بين السياسي والدعوي لا يعني التخلي عن المرجعية الإسلامية، لكنه توزيع اختصاص وأدوار والخلط بين الجانبين يفسد المسار».

ويضيف «نحن في جبهة الإصلاح رغم اعتزازنا بانتمائنا الإسلامي ولكننا كحزب نمارس العمل السياسي وندافع عن هوية الشعب وخصوصيات هذا البلد المسلم، أما أن نتفرغ للعمل الدعوي فهو ليس من اختصاصنا، فنحن كمعارضة نعارض فقط ما يتعلق بالقوانين والقراءات أو الإنجازات في غير محلها».

وحول إبداء «النهضة» استعدادها لقبول جميع التونسيين في صفوفها بغض النظر عن التزامهم الديني، قال العوني «هذا الأمر خاص بالنظام الداخلي لحركة النهضة فكل حزب له الحق في وضع القانون الداخلي لاختيار الأشخاص المناسبين، ونحن في جبهة الإصلاح نقول إن العمل السياسي يحتاج إلى أشخاص بعيدين عن الميوعة».

ويستدرك بقوله «نحن حزب تونسي والباب مفتوح للجميع، لكننا نرى أن المسؤوليات لا يجب أن تُسند إلا إلى أشخاص قادرين على تحمّلها، وبالتالي فالبحث في السيرة الذاتية للمنخرطين الجدد ضروري كي يعرف الناس هوية من ينتخبون، وهذا أمر بديهي».

وكان القيادي في حركة «النهضة» لطفي زيتون أكد أن علاقة الحركة بالإسلام ستُصبح مثل علاقة أي تونسي به، مشيراً إلى أن «الإسلام هو المرجعية العليا للدولة التونسية وهو المُكون الأساسي من مكونات الهوية التونسية».

وأضاف «حركة النهضة لم تستعمل الدين للوصول إلى الحكم، وهي لا تزايد على المسائل الإيمانية والعقائدية ولكن ستنتج برامج لحل مشاكل الناس لأن الحزب السياسي يهتم أساساً بالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية للبلاد».

إلا أن رئيس حزب «تونس الزيتونة» الشيخ عادل العلمي يصف خيار النهضة الأخير بـ»الخطير»، مشيراً إلى أن «المسلم لا يكون حيناً مسلماً وآخر غير مسلم، بمعنى: يكون في المسجد مسلم وحين يعود إلى مكتبه يصبح غير مسلم هذا كلام غير معقول، ربما يتعرض المسلم الذي اتخذ له شأناً سياسياً للضغوط أحياناً فيتنازل ويتراجع، ولكن القرآن يوصينا بآية صريحة تقول «ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم»، وبالتالي لا بد من الثبات في هذا المجال».

ويضيف لـ«القدس العربي»: «إذا كان هذا الأمر (خيار النهضة) هو مراوغة تكتيكية فسيكون مقبولا، ولكن ما نراه فعليا هو نوع من الانسلاخ (عن الدين) وهذا خطير، فنحن نعيش كمسلمين ونموت كذلك ولا نخجل أن نتحدث بإسلامنا».

ويرفض العلمي استخدام «النهضة» لمصطلح «التخصص» لتبرير خيارها الأخير، مضيفا «الذين يهتمون بالشأن السياسي هل هم مسلمون أيضاً، فالنبي محمد عندما باشر السياسة لم يقل أنا سياسي ولست نبياً أو مسلماً، فهذا مدخل شيطاني لا يمكن قبوله».

وكان بعض المراقبين حذروا «النهضة» من فقدان عدد كبير من أنصارها بعد تحولها لحزب مدني، مشيرين إلى أنها باتت أقرب للأحزاب العلمانية.

ويوافق العلمي على هذا الأمر، مضيفاً «لم يعد هناك فرق بين هؤلاء (النهضة) والذين ثار ضدهم الشعب التونسي (نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي)، فالشعب التونسي المسلم اختار حزباً له مرجعية إسلامية ليحكمه بالإسلام، وإذا أردت الآن إرضاء الشرق والغرب وأزلامهم في البلاد فستخسر الشعب التونسي، وهذا ما أراه مستقبلاً».

وفيما يتعلق بتعديل الحركة لشروط الانضمام إليها وقبول جميع التونسيين على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم، يقول العلمي «هذا هو الإنبطاح بعينه، وهذا سيؤدي إلى انقلاب الموازين وبالتالي سيصبح السكّير والشاذ هو المثل الأعلى (في البلاد)، أما الذي يمارس التعاليم الإسلامية فسيكون منبوذاً ولا يمثل الحداثة ولا يعبّر عن آمال الشعب المسحوق».

ويضيف «أرى أن هذا يشكل سقوطاً مريعاً، فالشعب التونسي أراد أن يحكمه متّقون وملتزمون لأنه يرى الالتزام أمانة، أما الشواذ فسيكونون فاسدين بكل معنى الكلمة، وبالتالي سيصبح الفاسد هو إمام الأمة والصالح منبوذا، وهذا لا يُقبل بأي شكل انقلاب للمفاهيم وانتكاس للفطرة والعقل، وربما يأتي يوم يتباكى فيه التونسييون على من أسقطوهم في السابق».