&هاني الظاهري

كيف تحول مصطلح «تغريبي» الذي كان يطلقه الشيوعيون في ستينات وسبعينات القرن الماضي كوصف مضلل لمخالفيهم الوطنيين إلى تهمة يوزعها اليوم «الصحويون» أو صبية حركات «الإسلام السياسي» على «الوطنيين» أيضاً الذين يفضحون ممارساتهم ضد البلاد والعباد ومحاولاتهم المستمرة لتهميش الهوية الوطنية وتحريمها بدعوى تعارضها مع الهوية «الأممية» لدرجة تسميتها في سراديبهم الخاصة بـ «الوثنية» بدلاً من «الوطنية»؟

هذا سؤال مفتوح للتأمل، وقد يقود الباحثين إلى اكتشاف تشابه كبير بين ممارسات التنظيمات الإسلاموية اليوم والأحزاب الشيوعية بالأمس، فالشيوعيون كان ولاؤهم يمتد إلى خارج أوطانهم تجاه الاتحاد السوفيتي، ويعتقدون أن السلطات الحاكمة في دولهم عدو لمشروعهم ونهضة بلادهم ولا يترددون عن وسمها بـ «التغريبية» في مجالسهم، وهو ذات السلوك الذي تنتهجه التنظيمات الإسلاموية اليوم باستثناء وجهة الولاء الخارجي، فبدلا من موسكو يتوجه ولاؤهم إلى بعض العواصم الإقليمية التي تحكمها تنظيمات وأحزاب الإسلام السياسي، وقد ظهر ذلك جلياً عندما تولى تنظيم الإخوان الإرهابي الحكم في مصر فأصبحت القاهرة طوال فترة حكم «مرسي العياط» وجهة مفضلة لحج هؤلاء، وتحولت منابرها إلى إذاعات لخطبهم التحريضية ضد أوطانهم وحكوماتها وأخذوا يبشرون الناس بالخلافة التي سرعان ما ظهرت على شكل تنظيم «داعش» في العراق وسورية.

كان الشيوعيون يعنون بكلمة تغريبي كل من يرفض الفكر الشيوعي حتى وإن كان لا يؤيد كثيراً من السياسات الغربية آنذاك، وهو موقف راديكالي يتفق تماماً مع راديكالية «الصحويين المتأسلمين» الذين يطلقون هذا الوصف على كل من يرفض فكرهم الحزبي ويقاوم دعايتهم التضليلية، فمن يطالب بتخليص مناهج التعليم من دسائسهم الخبيثة «تغريبي»، ومن يساند توجهات التنمية الحكومية في مختلف المجالات «تغريبي» أيضاً، بل إن من يؤيد الإجراءات الحكومية لمكافحة الإرهاب يصبح في عرفهم من رموز التغريب، وكأن الغرب انتقل جغرافياً إلى العاصمة السعودية وهذا في الحقيقة تجسيد لسلوكهم الخفي في تكفير الدولة ذاتها قبل استهداف مواطنيها بذات التهمة.

في شبكات التواصل الاجتماعي التي حولت العالم إلى قرية رقمية صغيرة تبرز كوميديا سوداء جديدة أبطالها أتباع التنظيمات الإسلامية وكثير من الغوغاء الذين تم تضليلهم بشعاراتها، هذه الكوميديا تتجسد في افتعال مسرحيات غارقة في التناقض نتاج غباء تلك التنظيمات، فالصحوي يضع لنفسه صورة شخصية تخص أحد خونة الوطن المقبوض عليهم بتهم إرهابية كسلوك تعريفي لنفسه يوضح عداءه للدولة بشكل فاضح ثم يطلق مع رفاقه حملات رخيصة وتلفيقية ضد المثقفين والوطنيين لتصويرهم كأعداء للوطن وما إلى ذلك من ترهات، ولا يمكنه بالطبع أن يفهم أن هذا تناقض صارخ من المستحيل أن يحتويه إلا الغباء «الصحوي».

اختصاراً.. يمكن القول بأن مشكلة الشيوعيين بالأمس.. وأتباع التنظيمات الإسلاموية اليوم تتمثل في أن «نموهم العقلي» توقف تماماً منذ عقود، وأن ممارساتهم بشكل عام ليست سوى تجسيد حقيقي لـ «نظرية القرود الخمسة».. تلك القرود التي لو كانت تجيد الكلام لربما وصفت مخالفيها بالتغريبيين أيضاً.