&أحمد الجميعة

المشروع الطائفي في المنطقة هو امتداد لمشروع «الفوضى الخلاّقة»، ولكن مع فارق التغيير في الأدوار والأفكار لتحقيق أكبر قدرٍ من الخسائر، وفارق التوقيت بين مرحلتي الاحتلال والثورات، وفارق آخر في التعبير عن المصالح بلغة استثناء وتأزيم ونيل من الكرامة والوجود، حيث لا تزال الطائفية وستبقى محرقة الشعوب، وأكبر مهدد لوحدتها وأمنها واستقرارها، وأهم مصدر لنشر التطرف والإرهاب بينها، وأقصر طرق النفوذ والهيمنة عليها، وهو مخطط مرسوم لصراعٍ لا ينتهي، ولا ينتصر فيه أحد، بل يستمر مشتعلاً إلى أن تتحقق الأهداف التي من أجلها يكون الانقسام بين الشعوب ممهداً لتقسيم الأرض، وفراغ الحكم، وفقدان الهوية، وهي نتائج حتمية لأي مشروع طائفي.

العراق الذي سقط في 2003، واحتله الأميركان، وسهّلوا مهمة إيران في تصدير ثورتها إلى أن تحولت الفوضى في القتل والتفجير إلى مشروع طائفي وإرهابي أجير، حيث وطأت إيران أرض العراق ولم يعد هناك حديث إلاّ عن سني وشيعي، وتقرير المصير تبعاً لذلك، وأخطر من ذلك أيضاً حين جمعت الشيعي المتطرف مع السني المتطرف في مهمة القتل والتدمير باسم الطائفية، حيث كشف الأحداث الدامية في العراق أن «داعش» و«الحشد الشعبي» هما وجهان لعملة واحدة، فكلاهما متطرفان إرهابيان، ومنطقهما وسلوكهما واحد، بل إن «الحشد» لم يقم إلاّ على أنقاض «داعش» بعد سيطرته على الموصل؛ حينها أطلقت المرجعية الدينية الشيعية في النجف «فتوى الجهاد الكفائي».

اليوم مع تطورات الأحداث في الفلوجة المحاصرة من الجيش العراقي والشرطة و«الحشد الشعبي»، حيث بدأت عمليات تحرير المدينة من قبضة «داعش»، وهو حق سيادي للدولة، ولا يمكن لأحد أن يتدخل فيه، أو يشكك في نواياه، ولكن من حق الجميع أن يتساءل عن مشاركة «الحشد الشعبي» في مهمة القتال، ورفع الشعارات الطائفية، وصور الإرهابيين كما هي صورة الإرهابي نمر النمر على إحدى المدرعات العسكرية، ونقش اسمه على الصواريخ المحمولة، حيث ترك هذا السلوك تساؤلاً: هل الحرب ضد «داعش» أم إبادة أهل السنة هناك؟، وهو سؤال مشروع مادام «الحشد الشعبي» مشارك في القتال، وإصرار حيدر العبادي على ذلك، رغم علمه أن هناك أكثر من مئة ألف نسمة من الأبرياء داخل الفلوجة يشكّلون حوالي عشرة آلاف أسرة معرضون لكارثة إنسانية؛ نتيجة القصف العشوائي من قوات «الحشد»، واستهدافهم ربما أكثر من «داعش» أنفسهم.

تنظيم «داعش» الإرهابي المتطرف يواجه قوات «الحشد» الإرهابي المتطرف، ويلتقيان معاً في معركة الفلوجة لتحقيق مشروع الطائفية الذي تحلم إيران أن تعود من خلاله إلى إمبراطورية فارس، وتبتلع كل ما سواه، حيث يتواجد قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في غرفة عمليات تحرير الفلوجة -والواقع تدمير الفلوجة-؛ لأن انتصار «داعش» هو انتصار لـ«الحشد»، وكلاهما يحققان الهدف الأكبر من انتصار إيران، ولكن ما نخشاه أن تذهب عواطف البعض في تأييد «داعش» السني على حساب «الحشد» الشيعي، وهذا أخطر ما في الصراع، وأكثر ما يقلق المنطقة أمنياً وسياسياً؛ لأنه باختصار قد يعيدنا إلى مربع التجنيد الخفي للعناصر، وتكوين الخلايا النائمة، وموجة التفجيرات، ولذا من المهم أن يكون الجميع واعٍ ومدرك أن معركة الفلوجة هي مسلسل جديد للصراع الطائفي بين تنظيمين إرهابيين، حتى وإن كانت الحكومة العراقية في واجهة هذا الصراع بأجندات تخدمه بشكل أو بآخر، وللأسف ضحيته أبرياء لا نتمنى لهم الموت، أو الجوع، أو نراهم في مشاهد مأساوية حتى لا يكون قرار من يتابع عاطفياً مع فريق ضد آخر، أو فكره متطرفاً في أحكامه ورؤيته، أو سلوكه مندفعاً في القتل على هوية السني والشيعي؛ لأن المستفيد حتماً هي إيران التي نريد بوعينا ووحدتنا أن ننتصر على مشروعها الطائفي.