صالح القلاب

هناك أمور مصيرية لا يجوز الخوض فيها في غير وقتها وبدون أي معطيات ومستجدات تستوجب التطرق إليها من قبل الجهة المعنية في مثل هذه الأمور .. والجهة المعنية في هذا «الأمر» الخطير فعلاً هي صاحب القرار فتحويل ما بين المملكة الأردنية الهاشمية والسلطة الوطنية الفلسطينية ، المعترف بها من قبل الأمم المتحدة دولة تحت الإحتلال ، من علاقات عادية وطبيعية بين «دولتين» شقيقتين إلى إتحاد بصيغة الـ»الكونفدرالية» تشكل حقيقة قفزة مبكرة جداً وقد تكون نتائجها ، في ظل هذه الأوضاع التي تعصف بالمنطقة ، ليس سلبية فقط بل ربما كارثية.

إنَّ المفترض أنه لا خلاف إطلاقاً على أن الشعب الاردني والشعب الفلسطيني شعب واحد وأن مستقبل العلاقات بين الأردن وفلسطين هو الوحدة إن بصيغة إندماجية ، كما كان عليه الوضع قبل قرار قمة الرباط العربية الشهير في عام 1974 التي إعترفت بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، أو بصيغة كونفدرالية أو فيدرالية .. لكن السؤال حتى تكون هكذا قفزة مضمونة وبدون إنعكاسات سلبية وربما كارثية هو : متى يجب أن يذهب الأردنيون والفلسطينيون إلى هذه الخطوة .. هل بينما الأوضاع الفلسطينية هي هذه الأوضاع غير المستقرة أو بعد الإنسحاب الإسرائيلي من كل الأراضي التي أحتلت في عام 1967 ويتقرر مصير الشعب الفلسطيني على أساس إقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية .. وعندها فإن لكل حادث حديثا.

الآن هناك عملية سلام متعثرة وهناك محاولات من بينها ما تقوم به فرنسا لتحريك هذه العملية المستندة أساساً إلى إتفاقيات أوسلو المعروفة التي كان من المفترض أن تطبق نهائياً وبصورة كاملة في عام 1997 .. والآن هناك حكومة إسرائيلية «ليكودية» متطرفة أبدت نوايا... بل أعلنت أنها تنوي ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل وحقيقة أنَّ مثل هذا الأمر غير مستبعد في ظل هذا الهزال الذي وصلت إليه الولايات المتحدة الأميركية .. وفي ظل تردي حالة الدول الأوروبية الفاعلة .. وأيضا في ظل حالة عدم الإستقرار التي تعيشها هذه المنطقة في ظل كل هذه الصراعات التناحرية المحتدمة في كل مكان وأيضاً في ظل تنامي «الإرهاب» وعلى نحو غير مسبوق.

وهكذا فإن الخوف كل الخوف هو أن تستغل إسرائيل هذه الخطوة المُغامَرةِ التي يجري الحديث عنها :»الكونفدرالية» وتستغل هذه الظروف التي تعيشها هذه المنطقة والأوضاع الدولية البائسة لتلقي بأهل الضفة الغربية ، إن ليس كلهم فمعظمهم ، في شرقي نهر الأردن متذرعة بأنها ترسلهم إلى وطنهم وإلى أهلهم وعندها فإنه لن ينفع الندم ولا عض الأصابع ولا الذهاب هرولة إلى الأمم المتحدة التي لو أنها قادرة على ردع المعتدي لكانت قد طبقت القرارات الدولية وألزمت الإسرائيليين بالإنسحاب من الضفة الغربية التي كانت في عام 1967 النصف الآخر من المملكة الأردنية الهاشمية.

ثم وإنَّ إسرائيل التي تتابع كل شاردة وكل واردة في هذا المجال ستدَّعي وهي ستواجه العالم بهذا الإدعاء بأنه لا ضرورة إطلاقاً للإستمرار بعملية السلام إن وفقاً لإتفاقيات أوسلو أو غيرها طالما أنَّ هناك كونفدرالية أردنية – فلسطينية على الطريق وطالما أنه أصبح بإمكان الفلسطينيين في الضفة الغربية أن ينتقلوا إلى «الضفة الشرقية» التي ستكون عملياً هي هذه الكونفدرالية التي يجري الحديث عنها بدون محددات ولا ضوابط.

لن يفهم العالم ولن يفهم الإسرائيليون أن فتح ملف الـ»الكونفدرالية» الأردنية – الفلسطينية في هذا الوقت هو مجرد دفع للسأم الذي يعاني منه بعض الأردنيين وبعض الفلسطينيين وهو مجرد:» رياضة ذهنية « من قبل الذين يخشون على أذهانهم من داء التكلس والجمود... إن فتح هذا الملف الآن وفي هذه الظروف ستترتب عليه مستجدات خطيرة جداً ... والسؤال هنا هو : هل أن هؤلاء «العباقرة» الذين يطرحون هذا الطرح الخطير في ظرف خطير يريدون أن تتخلى منظمة التحرير عن قرار قمة الرباط العربية الشهير الذي إعتبرها ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني وأن يحل وفْدُ من هذه «الكونفدرالية» الوهمية المفترضة محل السلطة الوطنية ومحل المنظمة ومحل الفلسطينيين في هذه المفاوضات المتعثرة التي توقفت عند نقطة معينة ولم تغادرها ولو بمقدار قيد أنملة منذ نحو منتصف تسعينيات القرن الماضي .