عوني صادق

مرات عديدة راودني سؤال، كلما حدث تغيير أو تعديل واسع أو جزئي على حكومة «إسرائيلية»، مثلما هو الآن بعد اختيار بنيامين نتنياهو للمستوطن العنصري البلطجي أفيغدور ليبرمان ليشغل في حكومته الرابعة كرسي وزير الحرب.

السؤال هو: ماذا لو كانت اللعبة السياسية في «إسرائيل» أكثر تكتماً أو أقل انكشافاً، بماذا كان سيملأ السياسيون والمحللون والكتّاب والمعلقون العرب والفلسطينيون أوقات فراغهم، وصفحات صحفهم، ودواوينهم وصالوناتهم ؟! أفهم أن ينشغل نظراؤهم من «الإسرائيليين» بمثل هذه الأمور لأسباب عدة، فهم بهذا الانشغال يؤكدون «ديمقراطيتهم» فيما بينهم على الأقل، ويعطون للعالم «الصورة» التي يريدون، ويضللونه بها ويعطون من يريد أن يختبئ حجة للدفاع، ويمررون بها بعضاً من أكاذيبهم التي تحقق لهم الدعم والتأييد! أما الفلسطينيون والعرب، فمطلوب منهم أن يعرفوا عدوّهم ليس أن ينشغلوا به وينسوا قضاياهم! وقد يكون عذرهم أنه لا يحدث في الفضاء العربي والفلسطيني تغيير لا في السياسات ولا في الوجوه، حتى يختار بعضها ملك الموت نائباً عن الشعوب وقواها السياسية! وإذا حدث تغيير، فلا تظهر المواهب إلا في تبريره، ودائماً تقرره «المصلحة العامة» التي لا يعرفون ماهيتها، بل يعرفها فقط الحاكم الذي أجرى التغيير!!

ما الجديد، بل ما الغريب في أن يحل ليبرمان في كرسي وزارة الحرب، ما دام نتنياهو في كرسي رئاسة الوزراء؟ ألم يكن في الأصل مديراً لمكتبه عندما شكل حكومته الأولى؟ وهل الفرق كبير بين يعلون وليبرمان حتى يكون مجالاً للاستغراب؟ لقد جعلوا من يعلون مدافعاً عن «الأخلاق» وهو الذي كان يدافع عن أسطورة صنعوها زوراّ وبهتاناً وأضافوها إلى ملف أساطيرهم الكثيرة، أسطورة «الجيش الأكثر أخلاقية في العالم»، التي سيدافع عنها ليبرمان بطريقته! قالوا إن الحكومة «الإسرائيلية» بعد انضمام ليبرمان إليها ستصبح «أكثر يمينية وتطرفاً»! ألم يقولوا عندما شكل نتنياهو حكومته الثانية إنها «الحكومة الأكثر يمينية وتطرفاً في تاريخ «إسرائيل»؟! ماذا سيزيد عليها ليبرمان ؟ وهل كان يعلون أقل تطرفاً ويمينية من نتنياهو، أو من ليبرمان؟ حتى نتنياهو طمأنهم قائلاً: «إن السياسة الأمنية لن تتغير»، وهو محق. بماذا يختلف وزراء حرب «إسرائيل» بعضهم عن بعض؟ بن غوريون مثل دايان مثل شارون مثل بيريز مثل رابين مثل باراك مثل نتنياهو مثل يعلون مثل ليبرمان، إنهم يتشابهون كما تتشابه قطرات المطر! كلهم مع الاستيطان، ومع «أرض «إسرائيل» الكبرى»، وضد العرب والفلسطينيين. والشيء الوحيد الذي يختلف هو الظروف التي يجلس الواحد منهم في الكرسي، وكلهم في آخر التحليل ليبرمان ! أما الخلافات التي تنشب بينهم، فهي دائماً على الحكم، ودائماً بالنكهة الصهيونية!

البعض رأى أن الحملة «الإسرائيلية» على ليبرمان جاءت خوفاً من أن تتأذى صورة «إسرائيل» في الخارج. ولكن سبق لليبرمان أن شغل منصب وزير الخارجية، ويفترض أن هذا المنصب يعكس وجه الدولة، فماذا غيّر ذلك من سياساتها، وماذا غيّر من مواقف مناصريها؟ لا شيء تغير خصوصاً في سياسات مناصريها! البعض أيضا، رأى أن السياسة «الإسرائيلية» ستزداد عنفاً وشدة تجاه الفلسطينيين، ولكن متى كانت السياسة «الإسرائيلية» ليّنة وغير عنيفة، أو إنسانية، بل متى عرفت قوة احتلال سياسة غير العنف والشدة؟! وكما قال أحدهم في مقال له نشرته صحيفة («إسرائيل» يوم- 20/5/2016) موجّه إلى الذين أعربوا عن شعور بالصدمة جراء تعيين ليبرمان: «لا بأس، سيعتادون. أولئك الذين يصرخون الآن، سبق وصرخوا عند تعيينه وزيراً للخارجية»!

ولعل الحقيقة الوحيدة التي أكد عليها، ولم يكشفها، تعيين ليبرمان، هي أن نتنياهو مصرّ على الذهاب في طريق اليمين والفاشية والتوسع والعنف حتى نهايته، وأن خرافات السلام والحلول التفاوضية لا مكان لها لا في عقليته، ولا في العقلية الكولونيالية العنصرية «الإسرائيلية» عموماً.

ويتضح أن لا جديد تحت شمس «إسرائيل»، وهي إلى مزيد من الغطرسة والعنف وشهوة التوسع يوماً بعد يوم، ولا يخطر ببال أي من قادتها ما يسمى السلام. أما الجديد الذي لا بد منه، فيجب أن يكون لدى الفلسطينيين أساساً. والسؤال الذي يجب التركيز عليه، فلسطينياً وعربياً ( إن وجد من يجلسون في كراسي الحكم متسعاً له)، هو: متى سيقتنعون جميعاً أن استسلامهم «لزعران» «إسرائيل»، وتخاذلهم أمام غطرستهم وجرائمهم، لن يجر عليهم إلا مثل ما سبق وجره عليهم طوال السنوات السبعين التي انقضت وحتى الآن، فيسارعوا إلى «إنقاذ ما يمكن إنقاذه»، ليس بالمفاوضات ولا بمزيد من التنازلات، بل باستعادة عناصر قوتهم للمواجهة، فقد قالوها وقلناها مراراً: هذا المحتل لا يفهم إلا لغة القوة!