&مارك إيه. تايسين

ما زلنا لا نعرف سبب تحطم طائرة «مصر للطيران»، ولكننا نعلم جيداً أن خطر الإرهاب يتنامى ويزداد ولن يقتصر على البحر المتوسط. ضمن رده على انتقادات تم توجيهها لطريقة تعاطي الرئيس أوباما مع الإرهاب، عدّد المتحدث باسم البيت الأبيض «جوش أرنست» يوم الخميس قبل الماضي كل الانتكاسات التي تكبدها تنظيم «داعش» خلال الأشهر الأخيرة، مشيراً إلى أنه فيما يخص العراق «تمت استعادة 45 في المئة من المناطق المأهولة التي كان يسيطر عليها التنظيم سابقاً. أما في سوريا، فإن الرقم هو 20 في المئة حالياً».

والحال أن الأمر هو أشبه بمريض تجاهل تشخيصاً بالسرطان وراح يتباهى بأنه تمكن من تقليص الورم في رئته، متجاهلاً حقيقة أنه تركه ينتشر وينتقل إلى أعضائه الأخرى. ذلك أنه لو هاجم أوباما سرطان «داعش» مبكراً، لتمكن من منعه من الانتشار أصلاً. ولكن بدلاً من ذلك، يأبى الرئيس الأميركي إلا أن يقلل من خطر التنظيم الإرهابي باعتباره «فريق هواة... منخرط في عدد من النزاعات والصراعات المحلية على السلطة»، ولا يملك «قدرة وامتداد بن لادن»، ولا يطرح «تهديداً مباشراً لنا». فلم يحرك ساكناً بينما واصل السرطان نموه في سوريا وامتد إلى العراق.

ونتيجة لذلك، مافتئ السرطان ينمو وينتشر عبر العالم. وحسب تحليل حديث لشبكة «سي إن إن» التلفزيونية، فإن «داعش» نفّذ منذ إعلان «دولة خلافته» في 2014 ما لا يقل عن 90 هجوماً في 21 بلداً خارج العراق وسوريا، ما أسفر عن مقتل ألف و390 شخصاً وإصابة أكثر من ألفين آخرين. كما أن لدى «داعش» وجوداً في أكثر من اثني عشر بلداً، وأعلن عن «ولايات» في الجزائر وليبيا ومصر والنيجر والسعودية واليمن وباكستان وأفغانستان. وكانت صحيفة «واشنطن بوست» أفادت في 2015 بأنه «منذ انسحاب معظم الجنود الدوليين والأميركيين في ديسمبر، تمكن «داعش» من تحقيق تقدم ميداني في أفغانستان»، حيث يقوم «برش الفلفل على جروح أعدائه.. ويضع أياديهم في الزيت المغلي.. ويعصب أعين (القرويين) ويعذّبهم ويفجّرهم بمتفجرات مدفونة تحتهم».

وبينما يواصل «داعش» نموه وانتشاره، أخذت «القاعدة» تعود تدريجياً إلى الواجهة. فأوباما يروّج لقتل زعيم «طالبان» باعتباره «حدثا بالغ الأهمية»، ولكن الحقيقة هي أن «طالبان» حققت مكاسب عسكرية مهمة في أفغانستان – وأن ذلك فتح الباب لـ«القاعدة». وكانت «واشنطن بوست» أفادت في أكتوبر الماضي بأن «ضربات جوية أميركية استهدفت ما يُعتبر» ربما أكبر «معسكر تدريب تابع لـ «القاعدة» يتم العثور عليه في حرب أفغانستان التي بدأت قبل 14 عاما». ويبدو هذا إنجازاً جيداً باستثناء مشكلة صغيرة واحدة: هي أنه لم تكن ثمة أي معسكرات مهمة لـ«القاعدة» في أفغانستان عندما وصل أوباما إلى الرئاسة. أما اليوم، فإنها باتت مرة أخرى تدرّب الإرهابيين في البلاد التي درّبت فيها عملاء من أجل تنفيذ هجمات 11 سبتمبر 2001.

«القاعدة» أيضاً تمكنت من استعادة مناطق كانت قد فقدتها في اليمن، البلد الذي درّبت ووظّفت فيه «مفجّر الملابس الداخلية» الذي كاد يفجّر طائرة متجهة إلى ديترويت في 2009. ويشير تقرير حديث لـ«مشروع التهديدات الخطيرة» التابع لـ«معهد المشروع الأميركي» و«معهد دراسة الحرب» بأن الفرع السوري لـ«القاعدة»، «جبهة النصرة»، يطرح أحد أكبر التهديدات على المدى الطويل، تهديد «أخطر بكثير بالنسبة للولايات المتحدة من «داعش» على المدى الطويل».

وبشكل عام، أوضح الجنرال جاك كين في شهادة أدلى بها مؤخراً أن حجم «القاعدة» «تضاعف أربع مرات خلال السنوات الخمس الماضية».

إننا سنكذب على أنفسنا إذا اعتقدنا أن العنف الذي نشاهده سيظل محصوراً في الشرق الأوسط. أو جنوب آسيا أو شمال أفريقيا أو أوروبا. فالمسألة مسألة وقت فقط قبل أن يجلب «داعش» و«القاعدة» هذا العنف إلى سواحلنا. والواقع أننا بتنا نواجه وضعاً أكثر خطورة وتعقيداً بكثير مما كنا نواجهه قبل 11 سبتمبر 2001. فقبل ذاك التاريخ، كنا نواجه عموماً خطراً من تنظيم إرهابي واحدة هو «القاعدة»، لديه ملاذ آمن في دولة واحدة هي أفغانستان. أما اليوم، فإننا نواجه شبكات إرهابية متعددة لديها ملاذات آمنة في اثني عشر بلداً أو أكثر.

وعلاوة على ذلك، فإننا نواجه شيئاً لم يسبق أن شهدناه من قبل: شبكتان إرهابيتان – «داعش» و«القاعدة» – تتنافسان على الفوز بقلوب ما يسمونه «جهاديين» ودعم الممولين. والطريقة المثلى للفوز في هذا التنافس هي أن السعي إلى تنفيذ هجوم كارثي هنا في الولايات المتحدة.

لقد كان لدى إدارة جورج دبليو. بوش شعار شهير فيما يتعلق بالشبكات الإرهابية هو «سنحاربهم هناك حتى لا نضطر لمحاربتهم هنا في الوطن». ولكن أوباما تخلى عن هذا الشعار، والنتيجة هي أن الخطر أخذ يقترب منا مع مرور كل يوم!