مصر:&أزمة عميقة بين السلطة والشباب… ومحاكمة جنينة تزيد من شعبيته… و«هلال» الصعيد لا يحتضن «صليبه»

حسام عبد البصير

انتفضت صحف مصر على قلب رجل واحد ضد رياح الفتنة الطائفية، التي أطلت برأسها من جديد في إحدى قرى الصعيد، كما اتحدت الجماهير مع النظام في مشهد لافت للتنديد بتلك الحوادث البغيضة التي تمثل خطراً فادحاً على وحدة المصريين. أمس بدا الرئيس غاضباً وحزيناً بشدة على إثر ما جرى لسيدة قروية نزعت عنها ثيابها، بسبب علاقة غير شرعية ربطت بين مسلمة ومسيحي، وعلى الرغم من أن بعض ناشطي الأقباط نفوا تماماً أن تكون الأم قد تعرضت للأذى، وأن أحداً لم ينزع عنها ملابسها، وهو ما أكدته أم الشاب المسيحي نفسها، الذي فر من القرية، إلا أن رياح الفتنة والغضب لازالت تخيم على القرية وقرى أخرى حولها، على الرغم من تصريحات الرئيس ورموز المؤسسة الدينية في الأزهر والكنيسة، التي أكدت على عمق العلاقة بين عنصري الأم ..

وقد أوردت الصحف المصرية الصادرة أمس الجمعة 27 مايو/أيار صفحات للحادث، حيث ندد معظم الكتاب بما جرى، وحذروا من أياد خارجية وأطراف في الداخل تسعى للعب بملف الأقباط لتدمير مصر وإسقاطها في دوامة لا تنتهي من الفوضى. أمس أيضا تفاقمت المعارك الصحافية بين الموالين للنظام وخصومه، كما شهدت الساحه غضباً واسعاً تجسد في كتابات العديد من الكتاب بسبب ارتفاع أسعار السلع الغذائية وكذلك أسعار الدواء وإلى التفاصيل:

الرئيس غاضب

البداية مع الغضب الرئاسي لما شهدته إحدى قرى الصعيد، من أحداث بين مسلمين وأقباط، حيث أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي أمس، أن الأحداث المؤسفة التي شهدتها إحدى قري محافظة المنيا، لا تعبر بأي حال من الأحوال عن طبائع وتقاليد الشعب المصري العريقة، وأصدر توجيهاته لجميع الأجهزة المعنية بالدولة لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لحفظ النظام العام وحماية الأرواح والممتلكات في إطار سيادة القانون، ومحاسبة المتسببين في هذه الأحداث وإحالتهم للسلطات القضائية المختصة.

وذكر المكتب الإعلامي للرئاسة، «أن الرئيس وجه محافظ المنيا للتنسيق مع القوات المسلحة لإصلاح وتأهيل جميع المنشآت المتضررة جراء هذه الأحداث، خلال شهر مع تحمل الدولة جميع النفقات اللازمة. وأوضح الرئيس السيسي أن مثل هذه الوقائع المثيرة للأسف لا تعبر بأي حال من الأحوال عن طبائع وتقاليد الشعب العريقة، الذي أسس الحضارة البشرية وحارب من أجل نشر السلام، والذي اتحد نسيجه على مدار التاريخ، فباتت وحدة المصريين وتوحدهم واصطفافهم الوطني نموذجا يحتذى للعبقرية الوطنية، وضامنا حقيقيا لبقاء وطننا العزيز. كما أكد أن المرأة المصرية العظيمة ستظل نموذجا للتضحية والعمل من أجل رفعة مصرنا الغالية، وستبقى حقوقها وصيانة كرامتها التزاما علينا، إنسانيا ووطنيا، قبل أن يكون قانونيا ودستورياً. ودعا الرئيس الله بأن يحفظ مصر ويحمي شعبها. ومن جهته، أكد رئيس مجلس الوزراء المهندس شريف إسماعيل أنه سيتم تطبيق القانون على الجميع، ولن يفلت أحد من الجناة من العقاب في أحداث المنيا، في الوقت الذي طالب فيه الدكتور علي عبدالعال رئيس مجلس النواب أعضاء البرلمان بترك القضية برمتها له لحلها مع المسؤولين والمطالبة بمعاقبة المقصرين، وتأجيل فكرة تشكيل لجنة تقصي الحقائق، واستدعاء رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية في حال عدم حل الأزمة.

بربرية لا يقبلها الإسلام

أصداء ما شهدته إحدى قرى محافظة المنيا يثير الأسى لعنصري الأمة، وها هو محمود الكردوسي في «الوطن» يندد: «حضرتك مصدوم؟! اتفاجأت.. لأن عصبة مسلمين «دواعش» في قرية صعيدية جرّدوا عجوزاً قبطية من ملابسها وأحرقوها حية، والأهالي يتفرجون؟ حضرتك تضرب كفاً بكف وتتساءل: أين النخوة؟ حضرتك قرفان من الصعيد وتشعر بالعار لأن عيار المصريين «فلت» وأخلاقهم انحطت؟ حضرتك كنت فاكر أنك تعيش في سويسرا، أو تعتقد أن «تحديث» الصعيد مصانع واستثمارات وأطباق «دش» وحمامات «سخن وبارد»؟ حضرتك واهم. أنا من الجزء المتليف في كبد الصعيد، من إحدى قرى سوهاج، ولن أخفيك سراً: إسلام الصعايدة ابن شرعي لـ«الوهابية»، أي أن مخاطره أقدم من كوارث الإسلام السياسي. والأقباط طول عمرهم مضطهدون، و«هلال» الصعيد لا يحتضن «صليبه».. بل يحاصره. يخنقه. يهمّشه.. قُل ما شئت. وأعترف لحضرتك: صعايدة أسيوط والمنيا وسوهاج «طائفيون» بالفطرة.. بس أنا شخصياً اتعالجت».

&

حقك عليَّ يا ست سعاد

&

ونبقى مع القضية التي أزعجت الكثيرين من بينهم حمدي رزق في «المصري اليوم»: «ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منَّا».. هذا الذي جرى للست سعاد من فعل السفهاء، حقك عليَّ يا أمي، الست سعاد حزينة، مصر حزينة، الست سعاد أصدق منا جميعاً، أشرف منا جميعاً. بعد كلامها لا كلام، سكت الكلام، خلص الكلام، تعرت فلبستنا العار، جللتنا بالعار والشنار، عرتنا جميعا ولبست هي ثوب الكرامة!

كل كلمة خرجت من فمها والدموع المالحة تتدحرج في خطوط زمن القهر عميقة في وجهها الذي اكتسب سمرته من سمرة الأرض الطيبة، مثل طلقة رصاص على رجولتنا، كل حرف مثل حد الموسى يذبح نخوتنا، قهرة الست، وجرحها عميق، أعمق كثيراً من كل الجروح، وعد الجروح يا ألم، «ناس معندهاش ضمير يعروني في الشارع وأنا ست كبيرة وكل البلد بتتفرج، بهدلوني يا بيه حرقوا البيت ودخلوا جابوني من جوه، ورموني قدام البيت وخلعوني هدومي، يا بيه زي ما ولدتني أمى، مخلوش حاجة حتى ملابسى الداخلية وأنا بصرخ وأبكي، وبعدين ربنا خلصني من إيدهم، وناس خدوني جوه بيتهم أخدت جلابية قديمة ولبستها». جلابية قديمة تستر عورتها، ولكن ثياب الأرض جميعا لن تستر أبدا عورتنا، عورتنا بانت، صورة ترتد بنا إلى عصور غابرة غارقة في الظلام، عصور ما قبل اللباس الأخلاقي، عصور عارية من الإنسانية، شريرة، موحشة، لا حرمة، ولا حرام، ولا قانون، ولا عُرف ولا شيء سوى التشبيب والتعرية والانتقام. ويؤكد الكاتب أن ما جرى في قرية «الكرم» في المنيا ليس فيه ريحة الكرم، صورة شاذة عن طبيعة المصريين عامة، والصعايدة خاصة، ناس المنيا طيبون، تعرفهم من سيماهم، هذه الكلاب المسعورة ليست منهم ولا تحسب عليهم، ست كبيرة يا حَوش، مخلتوش حاجة، حتى الملابس الداخلية، هتكتم الستر، وأهل البلد بتتفرج، شر البلية!».

&

مواطنون مصريون وليسوا أقباطا

&

وإلى القضية نفسها ومقال الكاتب محمود سلطان رئيس تحرير «المصريون»: «بعد جريمة مقتل 21 مسيحيا مصريا، على يد تنظيم «داعش» الإرهابي في ليبيا في فبراير/شباط من العام الماضي، كتبت مقالا بعنوان «نحارب داعش أم نفاوضها»؟ وكنت حريصا حينها، أن أصف ضحايا داعش بـ»21 مواطنًا مصريًا».. ولم أقل «قبطيًا».. فذكر كلمة «قبطي».. قد تكون بقصد من «الخبثاء» لاستدرار تعاطف الغرب «المسيحي» مع «مسيحيي» مصر، بتأييد التدخل المصري في ليبيا عسكريًا، أو بالموافقة على تنظيم تحالف للتدخل الدولي.. بمعنى: فإن الدم «القبطي» ـ معتذرًا على ذكر كلمة قبطي ـ استخدم بانتهازية لإنجاز مهمة سياسية ولأهداف أخرى وليس انتصارا للدم في حد ذاته. الضحايا ـ آنذاك ـ مواطنون مصريون.. فلم استبعد من الخطاب الإعلامي الموالي، كلمة «مواطن» وتعمد الإلحاح والتركيز على كلمة «قبطي» استخدام كلمة قبطي.. ربما يتجاوز استثماره السياسي والدعائي.. ليبلغ حدودًا بالغة الخطورة على فكرة المواطنة ذاتها.. فهي تعزز بالتراكم وبالإلحاح في الاستخدام، وبحكم الإلف والتعود، من نزعة «الطائفية» أو التباين الطائفي المتناقض مع المواطنة: شعبان، أحدهما قبطي «مسيحي» وآخر «عربي» مسلم. الخطاب الرسمي وحاضنته الإعلامية الخاصة والحكومية، عندما يركز على كلمة «الأقباط».. فإنه يعيد تأجيج مشاعر «المظلومية القبطية» التي استخدمت في عهد البابا القوي الراحل شنودة، والرئيس المسن والضعيف حسني مبارك، لابتزاز الدولة، وحملها على أن تتنازل عن جزء من حقوقها القانونية والدستورية للكنيسة. بعد ثورة يناير/كانون الثاني تراجع دور الكنيسة نسبيًا مقابل تنامي المشروع الوطني، وتخلي الأقباط تدريجيًا عن الأطر الطائفية والاندماج في المؤسسات الوطنية من أحزاب ومنظمات وصحف، حيث استبطن الجميع من تجربة 18 يوما في ميدان التحرير، خبرات إلغاء التمايز الأيديولوجي والطائفي، والانصهار في بوتقة الوطنية المصرية والتدثر بالعمق الإنساني «القاسم المشترك».. فالخطر واحد والأحلام والأشواق والأماني واحدة.. وهي حالة إبداع غير مسبوقة في تاريخ النضال الوطني المصري، لم تستمر طويلاً أجهضها المجلس العسكري بمذبحة ماسبيرو.. وبعدها وبأخطاء جسيمة من مرجعيات إسلامية، أصدرت خطابًا متوترًا وعصبيًا ومعاديًا للكنيسة عشية التحضيرات لاحتجاجات 30 يونيو/حزيران التي استثمرت للإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي. ويبقى أن نشير هنا، إلى أن ثمة تفاصيل صغيرة ربما لا يلتفت إليها أحد، تعتبر «جريمة» في حق البلد وأمنه القومي.. ومن بين هذه التفاصيل التي تستخدم بقصد هي إطلاق صفة «قبطي» على المسيحيين المصريين.. فهم «مواطنون» وحسب.. ومن مصلحتهم ومصلحة مصر، أن يستظل الجميع تحت مظلة المواطنة، التي نناضل منذ عقود، من أجل انتزاع استحقاقاتها من سلطات متعاقبة، يزعجها ويقض مضاجعها، أن يطالب المصري بحقوقه كمواطن.. وليس كرقم في طائفة دينية أو عرقية».

&

إعتذروا للأم القبطية

&

أما الكاتب سامي جعفر في «المصري اليوم» فقد طالب شيخ الأزهر بالاعتذار من الأم القبطية قائلا: « هذا الحادث البشع، على جميع المستويات، الإنسانية والأخلاقية، والدينية، يستحق أن تقف الدولة على قدميها، وأن يتم التحقيق في الموضوع، وعقاب المتورطين فيه بحسم، وشدة، وأن يتم التأكيد على أن جميع المواطنين سواء، لا فضل لأحدهم على آخر، وأن الدولة لا تتعامل بوجهين أمام مواطنيها، وأتمنى وليس في التمني عيب أو جريمة أن يقدم شيخ الأزهر باعتباره أعلى مرجعية إسلامية في العالم، اعتذاراً للأم المهانة، وأن يقبل رأسها، وأن يعلن أمام الجميع أن الإسلام أهين عندما أهينت، وأن جميع المسلمين تعرضوا للفضيحة مثلما تعرضت، وأن يطلب منها السماح والغفران. سيقول قائل وما دخل شيخ الأزهر، بالجريمة، سأقول له، إننى أشعر بالعار، وأشعر بأنني أسير في الشوارع عارياً، أبحث عمن يسترني، فما الحاجة لوطن، يشعر فيه شخص واحد، بأنه مسلوب الحقوق، لا أحد يحميه ويمكن أن ينتهك حقوقه وآدميته، فكرة حمقاء، يصدقها حمقى وأغبياء. سأقول لمن قد يستنكر اعتذار الدكتور الطيب لعجوز قبطية، إنه سيتأسف لها لأن الثقافة الدينية، للمعتدين، هي واحد من الأسباب التي دفعتهم لارتكاب هذه الجريمة الإنسانية، إلى جانب تأكدهم من هروبهم من الملاحقة بسبب سيادة دولة اللاقانون. وأقول لأي مسلم، لا تغضب إذا قرأت في الأخبار وشاهدت على شاشات الفضائيات، جندياً إسرائيلياً يضرب فلسطينية أو يقتلها أو يجردها من ملابسها، أو هجوم متعصبين أوروبيين على مسجد، حتى لو حرقوا المصلين فيه، وهدموا المبنى على رؤوسهم، أو هجوم هنود على جيرانهم المسلمين، لأن الحقيقة لا تتجزأ، والأخلاق لم تكن يوماً بوجهين».

&

إسرائيل تشوه الأقصى

&

استنكر مرصد الإسلاموفوبيا التابع لدار الإفتاء المصرية، إقدام إسرائيل على تنظيم مهرجان في مدينة القدس المحتلة يوم الجمعة، ويشمل عروضا إباحية، حيث يتضمن المهرجان عرضا لفرقة نمساوية تضم 12 راقصا سيظهرون بأجسادهم العارية، مؤكدا أن هذا العمل يمثل إهانة غير مقبولة للمدينة المقدسة، التي تحظى بمكانة دينية في قلوب وعقول أصحاب الأديان حول العالم، واستفزازا لمشاعر المسلمين حول العالم. وقال المرصد، في بيان له أمس الجمعة نشرته أغلب الصحف المصرية منها «اليوم السابع» جاء فيه، «إن هذه الأعمال الاستفزازية والمهينة للمقدسات ولمشاعر المتدينين بشكل عام تمثل ذريعة لنشر التطرف والإرهاب، وعدم استقرار المنطقة بأسرها، ودعما للدعاوى الصدامية التي تدفع المنطقة بأسرها نحو منحنى العنف والصدام». ودعا المرصد، إلى التوقف عن الأعمال الاستفزازية وإهانة المقدسات وإثارة مشاعر المسلمين واحترام المقدسات والأماكن الدينية في القدس وغيرها، وعدم إقامة هذا العرض في المدينة المقدسة، احتراما لقدسية المدينة ولمشاعر المسلمين حول العالم، لما يمثله هذا العمل من إهانة لواحدة من أكثر المدن قدسية لدى المسلمين، كما دعا المرصد المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بدوره في حماية المقدسات الدينية ومنع الإساءة لها أو ازدرائها وتجريم الاعتداء عليها، وضمان تطبيق المعاهدات والاتفاقات الدولية المتعلقة بهذا الشأن».

&

ليبرمان عقبة في وجه السلام

&

ونتحول نحو عمليات السلام المتعثره بسبب إسرائيل، حيث يتساءل يوسف أيوب في «اليوم السابع»: «هل تتوقف مبادرة السلام بسبب ليبرمان؟ ليس هناك مؤشر إيجابي على انخراط إسرائيل في عملية سلام جديدة مع الفلسطينيين، خاصة بعد التعديل الجديد الذي طرأ على حكومة بنيامين نتنياهو، وعودة المتطرف إفيغدور ليبرمان مرة أخرى، لكن هذه المرة وزيراً للدفاع وليس للخارجية، كما كان قبل ذلك، وهو ما صبغ الحكومة الإسرائيلية بصبغة الحكومة اليمنية المتطرفة. وكان لافتاً أن رئيس المعسكر الصهيوني إسحاق هيرتسوغ كان الأكثر تشاؤماً من هذا التعديل، حينما قال إن المجلس الوزاري الذي يضم ليبرمان لا يبشر بالأمل، لأنه «سيفضي إلى تدهور الوضع نحو جولة جديدة من الآلام، وعلى المواطنين أن يشعروا بالقلق إزاء الائتلاف اليميني الذي سيقود دولة إسرائيل باتجاهات محفوفة بالمخاطر». تطرف حكومة نتنياهو المنتظر وزيادة حدة التشاؤم لم تسيطر علينا كعرب فقط، فالولايات المتحدة التي تعد الراعي الرئيسي لتل أبيب أعربت عن قلقها من السياسة المتوقعة في إسرائيل تجاه الفلسطينيين مع ليبرمان، وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مارك تونر: «نعرف أن العديد من وزراء هذه الحكومة سبق أن أعلنوا أنهم يعارضون حل الدولتين، وهذا الأمر يستدعي تساؤلات مشروعة حول المسار الذي تريد الحكومة سلوكه، وماهية السياسات التي تنوي اعتمادها»، وهو ما يشير إلى أن التشاؤم أصبح السمة الأساسية للجميع».

&

التمويل الأجنبي خطر على مصر

&

ملف التمويل الأجنبي للمنظمات والمؤسسات والجمعيات الأهلية، أحد الملفات الخطيرة التي لا تحتمل التأجيل، حيث يمثل قنبلة موقوتة تهدد الأمن القومي من خلال الحصول على معلومات استخباراتية في معظم الأحيان. الأمر المؤسف بحسب حجاج الحسيني في «الأهرام»: «أن أموال المنح لا تصل إلى البلاد سرا، ولكن تدخل تحت سمع وبصر المسؤولين، بعد الموافقة عليها، رغم أن الجميع يعلم أين تذهب ثم نبكي أو نتباكى بعد كل هذا، وكأننا لا نعلم عنها شيئا، لذلك أطالب مجلس النواب بسرعة إصدار قانون جديد للجمعيات الأهلية يتصدى بشجاعة لأموال المنح المشبوهة، خاصة أن بعض المنظمات التي ترفع أسماء حقوقية براقة تحاول مغازلة النواب، من خلال دورات تدريب داخل وخارج البلاد، لمنحهم بدلات سفر، وهي خطوة أقل ما يمكن وصفها أنها «غزل» للبرلمان والنواب، ولكنه ليس غزلا عفيفا تبتغي منه منظمات التمويل الأجنبي وجه الله والوطن والفقراء.

أزمة النواب والتمويل الأجنبي لم تعد سرا بعد أن كشف الدكتور علي عبد العال رئيس البرلمان جانبا من المعلومات – وليس كل المعلومات – وينبغي على المجلس إعلان المنظمات التي تحاول غزو النواب، وليسمح لي المجلس الموقر أن أطرح الأسئلة البريئة.. أين تذهب أموال المنح؟ وهل يحتاج النواب إلى التدريب في منظمات مشبوهة؟ ولماذا لا يكون التدريب في مراكز سياسية واستراتيجية وطنية لها تاريخ أكاديمي؟ الإجابة محرجة للجميع، لأننا ببساطة عندما نريد أن نتعلم ونتدرب علينا أن ندفع مقابل التدريب لا أن نحصل على بدلات تحت أي مسميات، الأمر الذي يدفعنا إلى دائرة الشك، كما نعلم أن التمويل الأجنبي يذهب إلى جيوب هؤلاء الناشطين والحقوقيين في صورة مكافآت وبدلات وتدريبات و«كيك في البريك» وغيرها من قاموس النصب، ولا تحصل الفئات المهمشة إلا على الفتات».&

كيف نحارب الإرهاب؟&

«السؤال هو: هل تتم محاربة الإرهاب بمعزل عن دعم شعبي وبمنطق أمني بحت وبالسياسات نفسها التي أنتجت الإرهاب في السابق؟ وهل يتحقق الاستقرار بقهر الحريات والزج بالشباب المعارض إلى السجون، وبتطبيق قوانين ظالمة، وبغياب الشفافية عند اتخاذ قرارات مصيرية، وبإحكام قبضة الأمن على كل مؤسسات الدولة؟ هنا تبرز أهمية السياسة، كما يشير محمد نور فرحات في «المصري اليوم»، أي تحديد الأهداف الكبرى التي يتوافق عليها المجتمع. هناك رؤية خاطئة ومدمرة تتردد في بعض الدوائر الرسمية، بأن ثورة يناير/كانون الثاني ناتجة فحسب عن القصور الشديد في أداء الأجهزة الأمنية وقتئذ، وأن تلافي هذا القصور بزيادة جرعات القمع والضربات الاستباقية من شأنه عدم تكرار ما حدث وتحقيق الاستقرار. وهذه رؤية مدمرة لمستقبل مصر. إنها تتجاهل أن أسباب الثورة هي استشراء الفساد، وتهرؤ الدولة طوال ثلاثين عاما من حكم مبارك، وقهر الحريات والتعذيب في ظل نظام الطوارئ وقبضة الأمن. الحل إذن لا يكون بقمع مطالب الثورة وتشويهها، بل بتبني سياسات متوافق عليها لتلافي أسبابها. يكون بالقضاء على الفساد أيا كان المستفيد منه، وبتأمين حق المواطنين «وأغلبهم من الشباب» في صنع مستقبلهم بحرية، وبالقبول بمشاركة المجتمع المدني في صنع المستقبل، وفي الإعلام الحر، ورقابة برلمان مستقل وقادر على أداء السلطة التنفيذية. ويؤكد الكاتب أن تصريح رئيس البرلمان مؤخرا بأنه سيحيل إلى لجنة القيم كل نائب يتحدث عن السياسة النقدية في وسائل الإعلام يليق برجل أمن لا برئيس برلما، لأن الدستور ولائحة المجلس ينصان على حرية الرأي والتعبير. ثانيا: رئيس المجلس منفردا لا يملك الإحالة إلى لجنة القيم. ثالثا: حديثه عن مراكز الأبحاث المشبوهة التي تدرب النواب- إن لم يُلحقه ببلاغ موثق إلى النيابة العامة- يدخل في باب نشر شائعات من شأنها تكدير السلم».&

خير يراد به شر&

وإلى الحرب على مظاهر الإعلام الذي يدعو للفوضى، حيث يرى محمد عبد الهادي علام رئيس تحرير «الأهرام»: «سقطت المجتمعات العربية في بئر الإعلام غير المحترف في السنوات الأخيرة. تلك حقيقة يجب أن نقرها ونحن نحاول أن نصل إلى مقاربات واضحة أو تشخيص دقيق للحالة الراهنة، التي يسودها صخب يفوق احتمال المواطن العربي الواقع فريسة ماكينات ومنصات إعلامية ـ سياسية، لم تكن أنظمة الحكم ولا الشعوب في العالم العربي جاهزة للتعامل معها، خاصة في مرحلة ما بعد الثورات الشعبية، فأحالت ما راهن البعض عليه بأنه كان بمثابة دعوات شعبية لتصحيح السياسة في دول بعينها إلى فوضى عارمة. نعم، الإعلام ليس الطرف الوحيد المسؤول عما وصلنا إليه من تمزق وتفتيت، وغياب الرؤية الواحدة لمشكلات متراكمة في تلك المجتمعات، ولكنه كان يمكن أن يكون ناضجا في خياراته وفي سياقاته، ومسؤولا في تعامله مع الأحداث الدرامية التي تمر بها دول المنطقة، وتهديد دول فيها بالتقسيم إلى كيانات صغيرة ضعيفة، وهو خطر مازال قائما، ولا يمكن استبعاده في الوضع الحالي. فلا يمكن ترميم الأوضاع بينما تتسع الفجوات يوما بعد يوم بين المجموعات السياسية الأيديولوجية والطوائف العرقية والمذاهب الدينية، التي تغلب مصالحها الضيقة على مبادئ الوحدة، التي جمعت مواطني الأقطار العربية على مدى عقود، وأسهمت في إيجاد لحمة بين شعوب المنطقة في أيام نترحم عليها اليوم. السياسة إذن تعاني أزمات الانقسام، والإعلام يعاني أعراض السياسات المعتلة التي تحكم المشهد.. نخب السياسة لا تملك حلولا، ونخب الإعلام لا يمكنها تقريب الفجوات لأنها أسيرة السياسة المترددة الضعيفة. وفي تلك الحلقة المفرغة، لا بد أن يكون هناك مخرج واضح من الحالة الإعلامية، وقد يكون التعويل على رشد نخب صحافية وإعلامية ضربا من الخيال، لكننا لن نقوى على تصحيح مسار السياسة ما لم نصحح مسار المنابر الإعلامية».&

لماذا لا نستفيد من التجربة الألمانية؟&

الاقتصاد المصري الحالى يشبه اقتصاد دولة خرجت لتوها من حرب ويحتاج لخطة إنقاذ متكاملة وبعيدة المدى. يحدثنا عنها مصطفى النجار في «الشروق»: «خطط الإنقاذ الاقتصادي ليست معجزة ولا تحتاج سوى الاستفادة من تجارب من سبقونا وتطبيقها بحرفية. وضعنا ليس أسوأ من ألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية، حيث فقدت ثلاثة ملايين ونصف المليون من مواطنيها، واعتبر 40٪ من سكانها من ضحايا الحرب، في حين عانى 60٪ من السكان من التشرد والجوع، بعد أن تم تدمير ثلثي البلاد بالكامل. لم يلجأ الألمان حينها إلى فرض سياسة اقتصادية مركزية لإنقاذ البلاد، بل نجح لودفيج إيرهارد ــ وزير الاقتصاد في حكومة المستشار كونراد إديناور ــ في فرض سياسة اقتصاد السوق الاجتماعي؛ حيث تمكن من المحافظة على عناصر السوق الحرة وآلياتها التي تحدد الأسعار وفقا للمنافسة والعرض والطلب، مع وجود دور للدولة كراع للمصلحة العامة وللبعد الاجتماعي، حيث تتدخل فقط لمنع ومقاومة كل أشكال الاحتكار. وثق الألمان في قيادتهم السياسية لما رأوه فيها من منهجية وحكمة ساهمت في تأجيج الروح الجماعية التي جعلت كل المواطنين تروسا في بناء الدولة الجديدة، وتراجعت كل المطالب الفئوية والطموحات الشخصية لصالح تحقيق الحلم. وخلال ست سنوات فقط من العمل الجاد بدأت ألمانيا تخرج من كبوتها الاقتصادية لتكبر فيها الطبقة الوسطى وتقل الفروق الطبقية بين الفلاحين والعمال والمهنيين، ليتكون عقد اجتماعي جديد ساعد في ترسيخ التعددية وممارسة الديمقراطية. لم تفرض السلطة الجديدة وصايتها على الشعب الألماني ولم تعايرهم بفقرهم وسوء حالهم عقب مأساة الحرب، وإنما عملت كخادمة للشعب ومحققة لآماله، وفق رؤية واضحة وروح جماعية ألهبت حماس الشعب المنكسر، ليعود للحياة ويسبق العالم، لسنا أقل من ألمانيا فمتى تحين لحظة العودة لمسار التاريخ وركب الإنسانية؟».&

في عام الشباب الحبس مكافأة&

في 2016 الذي سمته السلطة عاما للشباب، جاءت عمليات القبض والحبس وأحكام السجن لعشرات ومئات الشباب؛ لتؤكد كما يشير حسام مؤنس في «التحرير» على أن «العلاقة بين السلطة والشباب تواجه أزمة جادة وعميقة، جوهرها في الحقيقة ليس كما تحاول السلطة تصديره بأنها تسعى للحفاظ على الدولة في مواجهة تحديات عديدة، بينما الشباب لا يفهمها ولا يراعي ذلك، ويتسبب بتهوره في هدم مؤسسات الدولة، بل لأن منهج التفكير والتصورات والرؤى التي تُعبر عنها السلطة وتمارسها تنتمي للماضي، بينما الأجيال الجديدة بانفتاحها وقيمها وأفكارها تتطلع إلى المستقبل، وربما ينجح الماضي أحيانا في حبس وحصار المستقبل، لكن النتيجة النهائية إذا استمر هذا الصراع محسومة دائما للمستقبل وأصحابه. ويرى الكاتب أن أسوأ ما قامت به السلطة الحالية على الإطلاق هو موقفها من قضية جزيرتي تيران وصنافير، ليس فقط الموقف ذاته الذي بدا وكأن مصر تدافع عن سعودية الجزيرتين، وتقدم كل ما يمكنه أن يستخدم في إثبات ذلك، وهي سابقة تاريخية لم نر لها مثيلا من قبل، بل وفي طريقة إدارتها لهذا الملف والتعامل مع الخلاف حوله، من بدايته وحتى الآن، ما جعلها في صدام مباشر مع قطاعات واسعة من المجتمع، لكنه صدام غير مباشر، أما قاطرته التي جاء الصدام معها واضحا وجليا فكان قطاعات واسعة من الشباب، الذين يفضلون أن يسمونهم (نشطاء)! ولم تكن نتيجة هذا الصدام سوى المزيد من تعميق الفجوة الواضحة بين السلطة وبين أصحاب المستقبل.. أزمة السلطة الحقيقية في قضية الجزر نابعة من كونها قضية تتعلق بصلب ما كانت تقدم نفسها من خلاله دائما، وهو الحفاظ على الوطن وتماسكه وسلامته، بينما هي تعلن بوضوح أنها تعترف بملكية دولة أخرى، حتى إن كانت عربية وشقيقة لجزء من الأراضي التي تربت وكبرت أجيال مختلفة باعتبارها أرضا مصرية، ومن هنا فقد كانت المعارضة لهذا الموقف خطرا كبيرا في اعتقاد السلطة».

الحرب على الإسلام السياسي والإخوان

لا يخفى على أحد توابع زيارة محمد بن زايد، حاكم أبو ظبي، الأخيرة لمصر، التي كشفت مصادر، أنها كانت زيارة أمنية بامتياز، كما تشير «الشعب» يتصدر جدول أعمالها الحرب على الإسلام السياسي وتحجيم دوره في الوطن العربي والعالم الإسلامي، خاصة الإخوان المسلمين. وقالت المصادر أيضا، في تقرير سابق نشرته «الشعب الجديد»، إن تلك الحرب ستبدأ إعلاميا في مصر واليمن، وبدأت في الإمارات منذ أشهر، حسب قولهم. وها هي تبدأ في مصر مبكرا على يد إبراهيم عيسى، الذي تحدث عن كون الإسلام السياسي بات مسيطرا على الشارع المصري في ظل وجود أحزاب تابعة للعسكر وصفها بالكرتونية، ولا توجد لها شعبية حقيقية، متغاضيا عن حالة القمع والتضييق الشديد الذي يمارس على الحركة الإسلامية ككل والإخوان المسلمين خاصة، ليتابع حديثه حول عودتهم للحكم مره أخرى.

البعض رأى حديث إبراهيم عيسى، بإنه ثبات من الحراك الثوري في الشارع المصري، خاصة عندما قال مؤكدا إن الإخوان المسلمين والإسلام السياسي سوف يعود للحكم مره أخرى من خلال انتخابات الرئاسية في 2018، لكنه على العكس فهو يوجه حديثه في الوقت الذي تقوم فيه الآلة الإعلامية بهجوم شرس على الإخوان والإسلام السياسي عمومًا، وتهيئة الأمر أن البديل العسكري أفضل منهم. وقال عيسى، إن جماعة الإخوان المسلمين، ستعود بقوة مستغلة الفراغ السياسي الذي وصفه بالرهيب، مستغلين ضعف الأحزاب التي وصفها بالكرتونية، والمشاكل والقرارات الاقتصادية المؤلمة التي يتخذها النظام، فتسببت في ضعف شعبيته، مما سيستغله الإسلاميون خاصة الإخوان، الذين أكد أن النظام بدأ فعلاً في التعامل معهم، والجلوس معهم للتفاوض، على حد قوله».