إريكا سولومون من بيروت وجيف داير &

عند النظر إلى خريطة شمالي العراق يمكن أن يظهر بسهولة كما لو أن قوات "داعش" التي تسيطر على مدينة الموصل ضعيفة للغاية. إلى الغرب، الميليشيات جاهزة للتقدّم. إلى الشمال والجنوب والشرق، الجيش والقوات شبه العسكرية قريبة على بُعد 20 كيلو مترا.&

لكن حتى مع أن هذه القوات تبدو ضمن مسافة قصيرة، إلا أنها بعيدة عن استعادة السيطرة على الموصل. ما لا تُظهره الخرائط هو المنافسات المريرة والطموحات السياسية وصراعات السلطة الإقليمية وراء القوات التي تتجمع حول ثاني أكبر مدينة في العراق، التي تعوق ما سيكون واحدة من أهم الحملات في الحرب ضد المتطرفين.&

يقول أحد مسؤولي الأمن في العراق "إذا كنت تعتقد أن هناك خطة كبيرة لهذا - حسناً، ليس هناك أي خطة".&

خلال العامين منذ أن صدمت "داعش" العالم بالاستيلاء على الموصل ومساحات واسعة من سورية والعراق، التحالف بقيادة الولايات المتحدة الذي يُقاتل الجماعة حقق بعض التقدّم. ووفقا للبنتاجون، فقدت "داعش" 46 في المائة من أراضيها في العراق و16 في المائة من الأراضي التي كانت تحت سيطرتها في سورية، وهذا تم بوتيرة أسرع مما كان يعتقد مسؤولون في الولايات المتحدة. الزخم الأخير أدى إلى تهدئة عديد من اللاعبين الإقليميين وإعطائهم شعورا بالثقة، تقريباً كما لو أن الحرب انتهت.&

يقول أحد مسؤولي الأمم المتحدة في العراق "الجميع نسي داعش". ويضيف "إنهم مشغولون بدلاً من ذلك بتهيئة أنفسهم لحرب ما بعد داعش".&

الهزة الإقليمية التي أحدثتها "داعش" أطلقت فرصاً للاستيلاء على أراض جديدة، أو إعادة تأكيد مناطق النفوذ. هذه الطموحات لا تعمل فقط على إعاقة الصراع غير المُنتهي، بل تثير أيضاً مخاوف العنف الطائفي وحروب إقليمية بالوكالة مقبلة.&

اليوم السياسة، وليس المسائل العسكرية، هي التي تؤخر أكثر المعارك الحاسمة ضد "داعش" - كمعركة الموصل، أكبر مدينة للجماعة المتطرفة، أو معركة الرقة في سورية التي هي عاصمتها بحُكم الأمر الواقع. في علامة على التوتر، أعلنت بغداد في عطلة نهاية الأسبوع عن حملة لاستعادة السيطرة على مدينة الفلوجة، وهي خطوة يُمكن أن تُهدد جهود الولايات المتحدة للتركيز على الموصل.&

وخطر الحرب المطوّلة له آثار خطيرة في المنطقة وخارجها. فهو يترك الملايين في جميع أنحاء سورية والعراق مشردين بلا مأوى، في الوقت الذي تحرص فيه القوى العالمية على وقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا. كما أنها تُعقّد عملية السلام في سورية.&

يقول مسؤولون في الولايات المتحدة "إن التحضيرات لاستعادة السيطرة على أهداف رئيسية، مثل الموصل صعبة بشكل لا يُصدق. مع كثير من الخلافات السياسية التي بدون حل، بعض الهجمات قد تكون ضارة أكثر مما تنفع، لكونها تعيد إدخال التوترات السياسية والطائفية نفسها التي ساعدت على ترسيخ وجود "داعش".&

يقول أحد كبار المسؤولين في الولايات المتحدة "ربما يمكننا أن نتحرك بشكل أسرع. لكننا لا نريد أن نحصل على النصر اليوم، ثم بعد شهر نرى أننا زرعنا البذور لـ "داعش" التالية".&

حملة التحالف المناهضة لـ "داعش" تتوقف على إعادة السيطرة على ثلاث مناطق: الموصل في العراق، والرقة في سورية، وما يُسمى جيب منبج بالقرب من الحدود التركية. وكل منطقة من هذه الثلاث تُسلط الضوء على خليط من المصالح التي يتبيّن الآن أن التعامل معها أكثر صعوبة من أرض المعركة نفسها.&

سهل نينوى&

ينقسم العراق بين الأغلبية العربية الشيعية التي تُهيمن على الحكومة، والأقلية العربية السنية المُهمّشة التي تريد مزيدا من السلطة، والأقلية الكردية العِرقية التي تحلم بالاستقلال. الظروف المُحيطة بالموصل تعكس هذا التباين. لكن على رأسها، ظهر تنافس بين الأكراد فضلاً عن صراع بالوكالة بين تركيا وإيران.&

تقع مدينة الموصل في سهل نينوى، وهو جزء مما يُسمى المناطق المُتنازع عليها، حيث الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان المُتمتّعة بحُكم شبه ذاتي، حريصتان على المطالبة بحصة. وهما تظلان في تحالف غير مريح لاستعادة السيطرة على أراض من "داعش"، هما أنفسهما تتقاتلان عليها.&

يقول مسؤول كردي "الولايات المتحدة تقود الجهود الرامية لحشد القوات ويجب أن تجد قوات تكون مقبولة من بغداد وأربيل (القاعدة الرئيسية لحكومة إقليم كردستان) والجميع". ويضيف "لست متأكداً كيف يُمكنهم فعل ذلك".&

ويتم خوض الصراعات على خلفية أزمة سياسية واقتصادية في بغداد. حيدر العبادي، رئيس الوزراء، مُحاصر بين المُحتجين الذين يُطالبون بشن حملة على الفساد من جهة، ومن الجهة الأخرى النخبة المُترددة في التخلي عن نظام المحسوبية الطائفي الذي أثراها منذ الغزو الأمريكي في عام 2003. اقتحم المحتجّون، الشيعة بشكل أساسي، المنطقة الخضراء ونهبوا البرلمان في نيسان (أبريل). والاشباكات التي جرت يوم الجمعة الماضي تركت على الأقل أربعة قتلى ـ الأحزاب الكردية الآن تُقاطع البرلمان بحجة أنه غير شرعي.&

يقول محمد تميم، عضو البرلمان السنّي "عادةً ما يتصل العبادي بالضابط المسؤول في الشمال كل يوم، لكنه يُركّز بالكامل على هذه الفوضى في البرلمان. هذه (الأزمة) تلحق الضرر بأمننا أيضاً".&

وتستضيف حكومة أقليم كردستان على مضض خمسة آلاف من قوات الجيش العراقي في قاعدة جنوب الموصل، لكن الأكراد شاهدوا تلك القوات فقط وهي تفشل في محاولات سابقة للتقدّم. هناك مجموعات أخرى متحمّسة للتدخل، أبرزها آلاف من المتطوعين الشيعة المعروفين باسم الحشد الشعبي. فبعد أن برزت المجموعة بسبب دورها في استعادة تكريت من "داعش" العام الماضي، وعد العبادي المجموعة بدور في أي هجوم على الموصل، لكن زعماء الأكراد والسنّة تعهدوا بوقفهم.&

في الوقت نفسه، القوات التركية تبني قاعدة في شمال الموصل، الأمر الذي يُثير غضب بغداد، وراعيتها إيران. الموصل كانت مركز العمليات التجارية والاستخبارية التركية قبل سيطرة "داعش". وأي وجود هناك من شأنه أيضاً أن يمنح أنقرة موطئ قدم في الأراضي التي يستخدمها حزب العمال الكردستاني، وهو مجموعة تعتبرها تركيا والولايات المتحدة جماعة إرهابية خاضت معها تركيا حربا مضى عليها 30 عاماً. والأمر الذي يثير استياء تركيا هو أن حزب العمال الكردستاني لديه الآن منطقة نفوذ تمتد من شمالي العراق عبر الحدود إلى منطقة جماعة كردية شقيقة في سورية.&

ويسعى مؤيدون محليون لحزب العمال الكردستاني، يُشتبَه في أنهم يتلقون دعما من إيران، إلى الحصول على دور في هجوم الموصل أيضا. هذه الخطوة تُثير قلق أنقرة وحكومة إقليم كردستان، التي تخشى أن حزب العمال الكردستاني يُمكن أن يحاول الاستيلاء على منطقة سنجار شمال غرب الموصل. وسط هذه الفوضى السياسية، يُحذّر أكاديميون، مثل رشا العقيدي، وهي من مواليد الموصل وتعمل في مركز المسبار في دبي، من أن المخططين يجب ألا ينسوا احتياجات سكان الموصل. وتقول "إن الاستيلاء على المدينة ربما يكون أسهل مما هو متوقع - كان مسؤولون في الغرب يستعدون لدمار شامل. لكن لإبقاء سكان الموصل في الداخل، يجب أن يُرسل التحالف القوات التي يثقون بها".&

وتضيف "سواء أحببنا ذلك أم لا، الموصل مرتبطة جداً بتركيا. إنها حيث توجد جذورهم. أنا لا أقول إن الناس هم أكثر ولاءً لتركيا، لكن في الوقت الحالي، هم يعانون أزمة هوية ويشعرون أنهم أقرب إلى أماكن مثل حلب (في سورية) وأنقرة مما هم إلى البصرة (المدينة العراقية الجنوبية)".&

وبحسب المسؤول الكردي، كل هذا يجعل أي جدول زمني لاستعادة السيطرة على المدينة في عام 2016 يبدو متفائلاً. "إذا كانوا محظوظين، ربما العام المُقبل".&

مع وضد&

التوتر موجود أيضاً في منطقة معروفة باسم جيب منبج، وهو قطاع من الأراضي يمتد 90 كيلو مترا على طول الحدود التركية ـ السورية، من قرية الري إلى مدينة جرابلس، وجنوباً نحو مدن مثل منبج. باعتبارها آخر منطقة عبور للجماعة المتطرفة إلى تركيا، فهي توفّر بوابة إلى أوروبا.&

يقول آرون شتاين، من المجلس الأطلسي "إن منطقة منبج جاهزة للسيطرة. السبب الوحيد في أن منبج وجرابلس لا تزالان في أيدي "داعش" سياسي".&

المشكلة تكمن في التنافس بين شركاء التحالف. في الأسابيع الأخيرة سيطر ثوار سوريون مدعومون من الأتراك التحالف على قرية الري. لكن الانتصار تبخّر عندما استعادت "داعش" السيطرة على المنطقة تحت غطاء من التفجيرات، الأمر الذي أرسل آلاف اللاجئين الفارّين نحو تركيا. ومنذ ذلك الحين، هذه الزاوية الغربية من جيب منبج بقيت عالقة في لعبة شد الحبل بين "داعش" والثوار السوريين.&

القوات الغربية تملك حليفا أكثر قدرة، وهو حليف قريب وحريص على أداء هذه المهمة: "وحدات حماية الشعب"، المعروفة باختصارها الكردي YPG، وهي مجموعة سورية تابعة لحزب العمال الكردستاني. تقدّمت وحدات حماية الشعب تدريجياً إلى مناطق "داعش" تحت غطاء جوي من التحالف، لاستعادة السيطرة على ما يُقارب جميع المناطق الكردية شرقي سورية.&

تقول الولايات المتحدة "إنها حاولت جذب مقاتلين عرب إلى التحالف مع وحدات حماية الشعب تحت لواء قوات سورية الديمقراطية، على أمل أن يوجد هذا قوة أكثر التزاماً لمحاربة "داعش" مما هي للإطاحة بالأسد". لكن معظم الثوار العرب الذين لديهم روابط قوية مع تركيا يشعرون بالقلق من الانضمام، قائلين "إنهم يحصلون على مكانة من الدرجة الثانية مقارنة بالقوات الكردية المفضلة".&

ولأن تركيا تحارب حزب العمال الكردستاني على أراضيها، فإن التحالف الأمريكي ـ الكردي يُرهق التعاون الأمريكي مع أنقرة. في الوقت نفسه، كثير من جماعات الثوار لا يزال يركّز على حربها مع نظام الأسد الذي تقول القوى الأجنبية "إن التسوية في جنيف هي وحدها التي تستطيع إنهاءه". وفي الوقت الذي تتخبط فيه محادثات السلام ووقف إطلاق نار جزئي، هذا لا يزال يبدو بعيداً.&

الثوار في المنطقة تُمزّقهم أيضاً التنافسات بين تلك المجموعات الأقرب إلى تركيا وتلك المتحالفة مع واشنطن. وحتى بين المجموعات المدعومة من الولايات المتحدة هناك اختلافات بين الجماعات المدعومة من برنامج البنتاجون "للتدريب والتجهيز" وتلك المدعومة من برنامج وكالة الاستخبارات المركزية القديم.&

يقول أحد زعماء الثوار "النتيجة هي أن بعض هذه المجموعات لا تنسق مع بعضها بعضا. إذن، كيف يُمكن أن توافق على النقطة نفسها من الهجوم أو الدفاع؟".&

ضرب "داعش"&

احتمالات التوتر العربي الكردي واضحة بشكل خاص في جهود التحالف لاستعادة السيطرة على الرقة، التي تُعتبر المنطقة الأكثر عُرضة للهجوم. يقول السكان "إن التكهنات ترتفع حول هجوم وشيك في المنطقة".&

من حيث التركيبة السكانية، الرقة هي ذات أغلبية ساحقة من العرب. لكن وحدها "قوات الدفاع الذاتي" التي يهيمن عليها الأكراد هي ضمن نطاق المدينة السورية والقوات العربية فيها قليلة.&

ووفقا لأحد كبار المسؤولين في الولايات المتحدة "إذا كنا نتحدث فقط عن المدن، فإن السيطرة على الرقة أسهل (من الموصل). لكن من الصعب أكثر التوصّل إلى تكوين قوة مُسيطرة هناك. أنا لا أعتقد أن من المنطق السيطرة على مدينة ومن ثم تركها - تعلّمنا في الماضي (في العراق وأفغانستان) ماذا يعني ذلك".&

يقول المنتقدون "إن الأقسام في إدارة أوباما التي كانت من أكبر أنصار التحالف الأمريكي الكردي، ومن بينها أجزاء من الجيش، فشلت في إدراك إلى أي مدى أصبح ذلك التركيز مُدمّراً تماماً. الأعمال العدائية بين العرب والأكراد تتزايد في أنحاء شمال سورية كافة، ما أدى إلى معارك ضارية حول حلب، غالباً ما أثارتها تركيا التي تريد إضعاف القوة الشقيقة لحزب العمال الكردستاني. وسيكون من الصعب وضع حد لهذا القتال حتى بعد هزيمة داعش".&

يقول فيليب جوردون، وهو مدير أول لشؤون الشرق الأوسط في البيت الأبيض "إنها تماماً واحدة من تلك الأشياء حيث علينا قبول العواقب التي تتماشى مع ما نفعله. أنا لا أعتقد أن الأكراد هم الوصفة سواء لفرض التغيير في دمشق، أو السيطرة على الرقة وتحقيق الاستقرار شرقي البلاد. بالتالي، حتى إن كانت "الوصفة" مفيدة في بعض النواحي، إلا أنها لا تحل المشكلة بشكل عام".&

ويحاول التحالف تنفيذ خطة لمحاصرة الرقة من خلال السيطرة على المنطقة المحيطة، لكنه لا يزال بحاجة إلى قوة عربية أكبر للسيطرة على تلك المدن. ونشرت واشنطن أخيرا 250 جنديا أمريكيا آخر لتعزيز القوات السورية التي تُقاتل "داعش".&

يقول أحد قادة لواء ثوار الرقة، وهم جماعة عربية تعتبر جزءا من قوات الدفاع الذاتي "نحن مثل الناس الذين يسيرون حفاة على سطح يحترق. إنه زواج قسري".&

بعض شخصيات المعارضة السورية ممن فكّروا ذات مرة في ضم قواهم إلى قوات الدفاع الذاتي يُعارضون ذلك الآن، لاشتباههم في أن الولايات المتحدة وروسيا تعملان من أجل صفقة لإبقاء الأسد في السلطة. يقول أحد مستشاري المعارضة السورية "الهدف الآن هو مجرد الصمود حتى وصول الإدارة (الأمريكية) المُقبلة".&

في الموصل، يشعر المقيمون بالريبة من القوات التي تحاول تحريرهم، خشية أن يُلقى عليهم اللوم في استيلاء "داعش" على مدينتهم. تقول العقيدي "حين يقولون إنهم من الموصل الآن فهذا يجعلهم مذنبين بالمشاركة".&

مثل هذا التوتر يمكن أن يترك مجالا تستطيع "داعش" استغلاله. وهذا يبدو أنه الاستراتيجية التي تتبعها حاليا في بغداد، حيث تفجيرات السيارات أدت إلى مقتل 200 شخص خلال عشرة أيام، معظمهم في مناطق شيعية.&مة يتصاعد. يقول المسؤول الكردي "الديناميكيات التي أدت إلى "داعش" لا تزال موجودة. لم يحدث أي تغيير".