&أحمد المرشد

يبدو أن أزماتنا نحن معشر منطقة الخليج لن تنتهي بغياب المدعو باراك أوباما عن المشهد السياسي في بلاده والعالم أجمع، فما فعله الرئيس الأمريكي ليس بالأمر الهين في حق الخليج، فهو وفي الفترة الأخيرة من ولايته الرئاسية لبلاده أبرم اتفاق إيران النووي ليفك الحظر الاقتصادي عن طهران، ثم يدعي أن هذا الأمر هو في مصلحة المنطقة، والأكثر مرارة، أن يدعو المملكة العربية السعودية وإيران لاقتسام النفوذ في المنطقة، وهو يعلم أن السعودية لا تريد نفوذا بل استقرار الإقليم وبسط العدالة في ربوعه، فدولة في عراقة السعودية وريادتها للعالمين العربي والإسلامي في غنى عن قول أوباما.

أقول هذا قبل أن يفاجئنا المدعو المرشح الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأمريكية، دونالد ترامب، ليشكك في علاقة ما أسماه بـ «الحماية» التي تربط الولايات المتحدة بالسعودية، ولا يهمنا هنا ما قاله عن بقية حلفاء الولايات المتحدة مثل دول حلف الأطلنطي بعدم أداء ما عليهم، هذا رغم تزايد الضغوط من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على هذا الـ «الترامب» لتخفيف لهجته.

فترامب –هذا الملياردير الذي لا يفهم في السياسة الخارجية كما وصفه أوباما– أبدى قلقه البالغ من علاقة الولايات المتحدة مع السعودية التي اتهمها بعدم المساهمة بشكل عادل في الدفاع الأمريكي، وقال: «إننا نرعى السعودية، ولن يستطيع أحد إزعاج السعودية لأننا نرعاها الآن، وهم لا يدفعون لنا ثمنا عادلا.. إننا نخسر كل شيء»، فترامب هنا يتحدث بصفته المرشح الجمهوري ويطالب السعودية بدفع ثمن حماية بلاده لها، ونحن بدورنا نتساءل: ماذا عساه سيفعل معنا إذا فاز في الانتخابات؟ فهل يطالبنا بثمن الحماية؟ ألم يعلم أن دول الخليج مجتمعة لديها أرصدة بمئات المليارات من الدولارات في بنوك بلاده، وأن هذه الأموال تساهم في تخفيف وطأة التراجع الاقتصادي الأمريكي، وأنه لولا الأموال العربية في الولايات المتحدة لمرت أمريكا بأكثر من أزمة اقتصادية طاحنة. ثم السؤال الأهم: «ألم يعلم هذا المرشح ترامب والحالي أوباما أن الولايات المتحدة لم ترسل جنديا أو شاحنة عسكرية أو طائرة للمنطقة مجانا، فكله مدفوع الأجر مقدما.. ولعل هذا الموضوع يطول الكلام فيه، ولن يجدي نفعا مع ناكري الجميل، سواء لمن يشغل البيت الأبيض حاليا، أو من يريد أن يقبع فيه لاحقا».

ونحن هنا لا يهمنا إذن ما ذكره ترامب بأن السعودية لا تدفع المطلوب منها مقابل حماية أمريكا لها، وكذلك لن نهتم كثيرا بما قاله أوباما عن ترامب بأنه لا يعلم الكثير عن السياسة، فلا هذا أو ذاك يفهم في استراتيجية الشرق الأوسط عموما ومنطقة الخليج خصوصا، فكل افتراضاتهم خاطئة ولم يجانبها الصواب، ومن المؤسف أن نقول هذا عن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الذي تصوره سينما هوليوود –أي رئيس أمريكي– على أنه رجل عملاق حاد الذكاء ولبق، ولكن ما صدقت فيه هوليوود هو أن أي رئيس أمريكي على الشاشة قادر على تدمير العالم بضغطة زر، ولعل أوباما هنا والمرشح ترامب قد استبدلا ضغطة الزر في الافلام باللسان الذي نطق كفرا وزورا وبهتانا، وكلاهما لا يفهما في أمور الشرق الأوسط شيئا، ولهذا فشل الأول، وبالتأكيد سيكون الثاني مصيره نفس الفشل إذا استمر على نفس منوال الرئيس الحالي.

ولعل من نافلة القول هنا إذا أردنا ذكر أخطاء أوباما القاتلة، هو تقوية النفوذ الإيراني في المنطقة، في العراق وسوريا، وعدم دعم المعارضة السورية عسكريا وماليا والتباطؤ في ارسال بعض الأسلحة حتى الخفيفة منها، حتى سيطر تنظيم «داعش» الإرهابي على أراضي كثيرة من سوريا والعراق، ناهيك عن توغل النفوذ الإيراني في كلتا الدولتين بعلم الولايات المتحدة وإن لم يكن برضاها فسبب سياساتها الخاطئة في إدارة الأزمات هنا وهناك.

&فالولايات المتحدة في عهد المدعو باراك أوباما، تركت سوريا حتى يتهددها التقسيم ولتسقط للأبد، لتنهار هذه الدولة التي طالما تغنينا بحدائقها وجمالها وأسواقها، وليسيطر عليها أمراء الحرب، بمن فيهم الميليشيات الإيرانية التي تنتشر في الأراضي السورية والعراقية، لدرجة تجعلنا نشك في أن للولايات المتحدة وإيران مصلحة مشتركة في تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية الى دول المنطقة، لتبث الفرقة فيها وزعزعة استقرارها.

ونعلم جميعا كيف سلمت أمريكا العراق لإيران، فتركت سلطات طهران ونفوذها يتزايد ويتضخم، ولم تتدخل في الحد أيضا من النفوذ الإيراني في اليمن، ولم نراها تشجب ما أعلنته طهران مرارا بشأن البحرين.

ويبدو بعد كل ما سبق أن الولايات المتحدة تعمل على زعزعة الاستقرار في منطقتنا، والذي لا تعلمه واشنطن ان قرار مجلس الشيوخ الأخير بشأن أحداث 11 سبتمبر 2001 لن يضر السعودية في شيء، فكلنا على يقين أن ما يسمى بـ «قرار التعويضات» هو شأن سياسي أكثر منه تشريعي، ومبتغى واشنطن منه هو ابتزاز الرياض، خاصة في ظل تهديد وزير خارجية السعودية عادل الجبير بسحب أرصدة بلاده من أمريكا، وعموما مازلنا ننتظر تصويت مجلس النواب وهو الأهم وفقا للنظام التشريعي الأمريكي، وحتى إذا كانت بعض التقارير الأمريكية قد تحدثت عن استخلاص التعويضات لمتضرري 11 سبتمبر من الأرصدة السعودية بأمريكا، فهذا محض افتراء وكذب بين، لأن جميع الأرصدة الأجنبية العاملة بالولايات المتحدة تتمتع بالحصانة ومن الصعب الاقتراب منها.&

والذي نستطيع قوله في هذا الصدد، إن الولايات المتحدة لا تريد تكبيل السعودية بتعويضات مالية فقط، بقدر ما هو رغبة أمريكية حقيقية في تقييد السياسة الخارجية السعودية ومحاولة اخضاعها للنزوات الأمريكية في المنطقة خاصة بعدما نهضت السعودية في الفترة الأخيرة وأصبحت صاحبة مبادرات عديدة لحل أزمات المنطقة. فالاستنزاف هنا سياسي قبل أن يكون ماديا، وواشنطن تريد بقضية ما يسمى بـ «قانون التعويضات» أن تكون مثل مخلب القط لإثناء الرياض عن سياساتها وتوجهاتها الجديدة في اليمن وسوريا، خاصة في ظل رفض السعودية تصريحات باراك أوباما الذي دعا فيها الرياض وطهران الى تقسيم النفوذ في المنطقة.

الأمر المؤكد لدينا في الوقت الراهن، والذي لا يقبل التأويل أن الولايات المتحدة ليس لها حلفاء دائمون، وهي عندما تضع السعودية في مرمي التعويضات –إذا أقر مجلس النواب القانون المشار اليه– فهي بذلك لن تفاجئنا، فهي تخلت عن حلفاء لها كثيرين في الماضي، ودائما ما تتنكر للحفاء ولنا في الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك لعبرة.. والأمر المؤكد لدينا أيضا، أن السعودية وكل دول الخليج تعرف مصلحتها الاستراتيجية، وإذا كانت واشنطن لا تريد إحداث توازن سياسي حيال الخليج شعوبا ودولا، فإننا أيضا لدينا أوراقنا الاستراتيجية التي نستطيع أن نلعب بها في الوقت المناسب. وأخيرا، لن نقول إن ما سنه مجلس الشيوخ الأمريكي عقابا أمريكيا للسعودية، لأن الرياض أيضا قوية وهي في عهدة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي استطاعت السعودية في عهده اعادة السيطرة على الأوضاع الإقليمية وتقليم أظافر وأنياب إيران ووقف نفوذها وتمددها في المنطقة، وربما كانت الرغبة الأمريكية الحقيقية من وراء ما يقره مجلس شيوخها هو تقليم الأنياب السعودية.

&

&