&&عادل درويش&

&انقلاب الزوارق وغرق المهاجرين يعني بداية «موسم الهجرة (غير الشرعية) للشمال» وتحويل دموع وآلام وعرق وآمال فقراء أفريقيا إلى أرباح في جيوب مهربي البشر، وحسابات بنوك شبكة المنتفعين من مديري وخبراء وبيروقراطيي وكالات اللاجئين (والأدق استغلال مأساة المهاجرين) في مؤسسات طفيلية ممولة من ضرائب العاملين في أوروبا.

غرق مهاجرين قبالة الساحل الليبي قبل أيام زاد من ضغط الرأي العام على حكومة ديفيد كاميرون، فأرسلت سفينة أخرى من البحرية الملكية بطلب من الحكومة الليبية المعترف بها شرعيًا للمساعدة في احتواء نشاط مهربي البشر. لكن هل تفلح السفن الحربية في إنهاء الظاهرة، أم تصبح مغناطيسًا آخر لجذب مزيد من المهاجرين إلى مياه المتوسط؟

حتى الآن تنتشل السفن الحربية الناجين من الزوارق الغارقة، وتبحر بهم إلى الجزر الإيطالية أو اليونانية. أي أن موت العشرات غرقًا يصبح بطاقة مرور زملائهم الناجين من الغرق إلى أرض الميعاد الأوروبية، ثم تتولى شبكات المنتفعين من المأساة من الوكالات الرسمية بمساعدة الـ«بي بي سي» والصحافة اليسارية ابتزاز الرأي العام في أوروبا بتسميتهم «لاجئين».

وتستمر الدورة، ومع كل حفنة دولارات تدخل جيوب مهربي البشر تتسع مقبرة قاع المتوسط باستقبال مزيد من أحلام الهجرة للشمال.

قائمة الأولويات حسب الأهمية بالتنازل: إنقاذ الحياة بتجنب الغرق، والتعامل الأمني مع عصابات تهريب البشر، ويليها تقليص الأسباب التي تدفعهم إلى المغامرة، وهي من شقين؛ أولهما إطفاء بريق الجذب على شواطئ أوروبا، بمصاحبة إضاءة مشاعل الأمل بمستقبل قابل للتطور على شواطئ جنوب المتوسط، فيفضل هؤلاء البقاء في بلدانهم، ثم تقليل عوامل الطرد أو التعامل مع تلك التي يصعب إنهاؤها. ويليها بالطبع أهداف أساسية أهمها الاستجابة لرغبة الشعوب في خياراتها الديمقراطية، حيث لا يوجد بلد أوروبي واحد سيصوت أغلبية ناخبيه لفتح أبواب الهجرة بلا حدود.

عندما تطرقت لهذه القضية على هذه الصفحات أول مرة كان ضحايا الغرق في البحرين المتوسط والأدرياتيكي دون ثلاثة آلاف، واليوم يفوق عددهم خمسة أضعاف الرقم (لا يمكن إحصاء من غرقوا في الظلام أو بلا عيان).

وقتها اقترحنا حلاً عسكريًا بالتعامل الأمني مع عصابات تهريب البشر (تنسق اليوم مع شبكات الجريمة المنظمة في أوروبا كالمافيا ومع شبكات الإرهاب كـ«داعش» وأمثاله في ليبيا وسوريا وتركيا). وتضمن اقتراحنا تدمير القوارب والسفن الموجودة على السواحل الليبية.

اليوم أكرر الاقتراح (فدعوة الحكومة الليبية تشرع العمل في مياهها الإقليمية) ولا يستثنى من التدمير إلا السفن التي يسجلها أصحابها في هيئة مشتركة من خفر السواحل الليبية وقوة بحرية دولية في سجل يخضع للتفتيش الدولي. ويشترط تثبيت أجهزة متابعة ترسل إشارات إلكترونية (كجهاز إرسال إشارات الطائرات) لمعرفة وجود هذه القوارب. مخالفة التعليمات تعرض القارب للتدمير بلا تعويض.

غني عن القول ضرورة اعتقال ومحاكمة مهربي البشر والعاملين معهم ممن يبحرون القوارب. التعرف عليهم مع توفر أدلة للمحاكمة أمر صعب، فالمهاجرون يتعاونون معهم لأنهم وسيلة عبور لأوروبا.

ويجب التلويح بحوافز إيجابية للمهاجر طالب اللجوء كنقاط إيجابية في سجله أو تعويضه بالمبلغ الذي دفعه لمهرب البشر إذا زود المسؤولين بمعلومات تؤدي للقبض على المهرب. وحتى الآن لم يحدث تطوير لاستجواب من يتم إنقاذهم من الغرق في هذا الشأن.

استمرار نقل من يتم إنقاذهم إلى أراضٍ أوروبية بدلاً من إعادتهم من حيث أتوا، هو عامل جذب وتحفيز لمهربي البشر لاستغلال حاجة ضحاياهم بوعدهم بإرسالهم إلى أرض الميعاد الجديدة مقابل ما بين ستة إلى عشرة آلاف دولار تصبح ثمن الكفن المائي الذي سيدفن فيه بلا جنازة أو مشيعين.

ولو كان مهاجرو أول سفينة تصل إلى الجزر الإيطالية قبل عامين قد أعيدوا إلى بلدانهم، لكان 15 ألفًا من البشر اليوم على قيد الحياة.

لكن أين تعيد السفن من تنتشلهم؟ خصوصًا إذا كان مهربو البشر - الذين يزودونهم بأرقام تليفونات الستلايت لخفر السواحل الإيطالية واليونانية - ينصحونهم بتمزيق الباسبورات والأوراق الثبوتية؟

من الأفضل إنشاء مراكز تعامل وتسجيل (Processing Centres) في بلدان شمال أفريقيا تؤجرها هذه البلدان للاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة. مراكز بها فنادق نظيفة، ومراكز علاج وصحة، بل وفصول للحضانة والأطفال.

هذه المراكز يسجل فيها من يريد الهجرة إلى أوروبا، وتدرس حالته. ويسجل فيها من يطلب اللجوء السياسي بحجة الاضطهاد أو تهديد حياته. في حالة ثبوت صدق حالات اللجوء يمنح الشخص اللجوء حسب ثقافته، سواء كانت إيطالية أو فرانكوفونية أو إنجليزية. أما طالبو الهجرة فيمكن أيضًا حسب مهاراتهم وتخصصاتهم استيعابهم في بلدان قد تكون في حاجة إليهم في أوروبا والأميركتين، في مجالات الطب أو التمريض أو الزراعة أو المصايد أو غيرها.

من يتم انتشالهم من الغرق يعادون إلى هذه المراكز ولا ينقلون إلى أوروبا.

بلدان كالمغرب والجزائر وتونس ومصر (وليبيا في مناطق بعد تأمينها) ستستفيد اقتصاديًا من تأجير المراكز كدخل مباشر للخزانة، وصناعات الإنشاء والبناء والخدمات والنقل المحلية من إنشاء وبناء المراكز، وإدارتها بتوظيف عاملين ومتخصصين محليين يدفع الاتحاد الأوروبي والمؤسسات الدولية أجورهم ويدفعون بدورهم ضرائب على الدخول إلى حكوماتهم.

عندما ينتفي عنصر الجذب، ويتأكد المهاجرون أن انقلاب مركب والإشراف على الغرق لم يعد بطاقة المرور إلى أوروبا، ستغلق سوق تجار مهربي البشر.

كما أن سرعة دراسة الحالات ونشر نماذج نجاح طالبي اللجوء الحقيقيين، أو حصول المهرة على تعاقدات عمل للهجرة ستكون مثالاً على وجود طريق مشروع آمن بعيدًا عن تعريض الحياة للخطر.

في حال وضع المشروع موضع التنفيذ أتوقع أن يعترض المنتفعون الأوروبيون لأنهم خلقوا وظائف ومراكز وميزانية على جثث الغرقى، وسيقولون إنه حل كولونيالي، وإنه عودة للاستعمار، إن هذه المراكز مثل القواعد العسكرية... إلخ... إلخ.

وإذا حسب القارئ مثلاً مرتبات عشرة مديرين في مؤسسات إدارة شؤون المهاجرين (التي لم تجد حلاً للمشكلة حتى الآن ويبقى عشرات الآلاف على مناطق حدود البلدان الأوروبية) ومصاريفهم في عشرين شهرًا لفاقت خمسة ملايين يورو. وإذا أضفت إليها تكاليف جيش من الموظفين والمتخصصين سيصل الأمر إلى 30 مليون يورو. ماذا لو استثمرت في بنك إقراض من دون فائدة وفي مشاريع في القرى الفقيرة التي يهاجر منها أبناؤها؟ ستصبح هذه القرى مناطق إنتاج وسوقًا رائجة بدورها.

انتشال مهاجرين مشرفين على الغرق هو عمل إنساني نبيل، أما إيصالهم إلى أوروبا فليس من الإنسانية في شيء، لأنه سيتسبب في جذب آلاف يموت نصفهم غرقًا.

&

&

&