سمير عطا الله& &

لُقِّب محمد التابعي «أمير الصحافة». ورأى البعض أن الإمارة لا تكفي، فسمّاه ملكًا. وأعتقد أنه كان ساحرها. كانت صحف مصر تقوم على اسمه وتزدهر على كتاباته وتشتهر بشيء من شهرته. وجيل العمالقة كانوا جميعًا من تلامذته. تعلموا منه وحاولوا أن يقلدوه وعبّروا له عن فائق التقدير والإعجاب وظل فريدًا مثل غزال شارد، يكتب ما يشاء، وينقد من يشاء، ويتنقل في ديار الهوى مُدلَلاً متدللاً. وعندما بدأ حياته الصحافية المتألقة في «روزاليوسف» ما لبث أن أُدخل السجن، فكتب إلى فاطمة اليوسف يشكو أحوال المعتقل ونقص الأشياء التي يحب وطلب منها على جناح السرعة أن تزوده كمية من الكافيار.

ولم تفاجأ «روزا» ولا فوجئ الصحافيون الذين كانت أكثريتهم الساحقة من بسطاء الحال.

انتقل من المحاماة إلى الصحافة الفنية. وكان يرفض الكتابة في السياسة، لكن الجميع قالوا له إنه سوف يحصد البلد إن هو فعل. وقد فعل وحصد مصر لعقود من الزمان. لم يحبه الملك فاروق فجعل من كره فاروق له عملاً صحافيًا مذهلاً. وأحبته أسمهان فجعل من حكاياتها وقصصها وقلقها أساطير تلك الأيام. وعندما كان يحلو لمصطفى وعلي أمين أو محمد حسنين هيكل أو كامل الشناوي أن يسموا أستاذًا لهم، كانوا يسمّون التابعي.

لكن عيب الصحافة أنها تذوب مع يومها. تغيب الشمس فيغيب معها المقال، وتشرق فيشرق مقال آخر. وتطوي الأيام الأساتذة والتلامذة كما نطوي الصحيفة تحت إبطنا عندما نشتريها من البائع. ومع الزمن يخف عدد الذين يعرفون الأساتذة ثم التلامذة. وأشعر دائمًا بحرج وأنا أكتب عن مصابيح الماضي: كم أعداد من يعرفونهم اليوم؟ هل ما يزال الأمر مهمًا؟ ولكن أيضًا، ألا يتوجب علينا أن نرقي الذاكرة بشيء من عصر الكبار؟

قرأت للتابعي كل ما استطعت. لكنني بقيت أتمنى لو كنت في عصره أقرأه كل أسبوع يلهث بالحدث ويلوّن المواقف بشجاعته وحبه للتفاصيل ودقة المحامي الذي ظل حيًا فيه يحمله في رحلاته وسفراته وإقامات السجن حيث أول ما يخطر في باله فوق البلاط العفن من الرطوبة، معجون الحلاقة وزجاجة العطر وعلبة الكافيار.

إلى اللقاء..

&

&

&