&محمد إبراهيم الدسوقي

استغفال الأشخاص مرة وربما مرات جائز، أما غير الجائز والشائن فهو محاولة خداع الأمم والشعوب أكثر من مرة وكأنها تمتلك ذاكرة الأسماك التى تمكث فيها الأشياء والذكريات الجيدة والسيئة ثوانى معدودة، ثم سرعان ما تتلاشى وتتبخر، هذا التشبيه ينطبق تمام الانطباق على جماعة الإخوان الإرهابية التى تسعى جاهدة لخداعنا بلعبة خبيثة، طرفها الأول فى تونس، حيث يقيم راشد الغنوشى زعيم حركة النهضة ـ الفرع التونسى للإخوان ـ، وطرفها الثانى فى الدوحة حيث مقر إقامة يوسف القرضاوى شيخ الإخوان البارز.

&الغنوشى نجح وبذكاء شديد فى سحر أعين الناظرين والمتابعين للمؤتمر العاشر لحركة النهضة بتفجيره قنبلة الفصل ما بين الدعوى والسياسى بالحركة، وهللت الجماهير وزفت إلينا البشرى السارة بهذا الفتح المبين الذى يشكل بمنظورهم نقطة نظام فاصلة فى تاريخ الحركة، والإسلام السياسى، وانخدع كثيرون بالعناوين البراقة المغرية المرفوعة من قبل الغنوشى وحاشيته، مثل الديمقراطية الإسلامية، والحداثة، والمدنية، وفصل الدولة عن الدين .. الخ.

&من زاوية الشكل فإن ما قاله الغنوشى يمثل تحولاً يسترعى الانتباه والتوقف عنده فى تاريخ الإسلام السياسى الذى ظل دوما يربط ما بين الدين والدولة، والنظر إليهما ككيان واحد غير قابل للفصل تحت اى ظرف من الظروف، اما من ناحية المضمون فإن دعوته خدعة كبرى لو انطلت علينا وعلى غيرنا فهى لعمرك كارثة محققة وستكون عواقبها ومآلاتها جسيمة.

&خدعة لأننا تركنا الأسئلة الحائرة فى الخطوة التونسية دون الرد عليها باجابات وافية شافية منطقية، وانشغلنا بأضواء الإخراج المبهرة، ولا يغيب عن اللبيب أن الإخوان مهرة فى دس السم فى العسل، ولهم باع طويل فى هذا المجال، وإليك بعضا من تلك الأسئلة الحرجة الحائرة.&

السؤال الأول: أن الغنوشى أعلن فصل الدعوى عن السياسى، فهل كانت جماعة الإخوان فعلا جماعة دعوية؟!&

راجع معى بهدوء وتأنٍ التاريخ القديم والحديث لتعرف وتتيقن بنفسك أنها لم تكن فى يوم من الأيام لها صلة بالدعوة، منذ نشأة الجماعة الأم فى الإسماعيلية على يد حسن البنا، فهى من المهد ساعية لكرسى الحكم، وغلفت رغبتها وشبقها للسلطة بقشرة دينية زائفة. وقل لى بالله عليك ما علاقة الدعوة بتشكيل تنظيمات مسلحة مارست العنف، والقتل، والتفجيرات، والترويج للغلو، والتطرف، وتكفير الآخر حتى من المسلمين؟&

انتبه أيضا لجزئية الغرض من العودة للدعوة كما يزعمون، لأن فيها ما فيها من الخداع الرهيب، فنحن إزاء جماعة كانت تبنى سمعتها وشعبيتها على منصة الأعمال الخيرية، ومساعدة الضعفاء، والمهمشين، والفقراء، وأصحاب الحاجات، وكانوا يسيرون بين الناس بمقولة إن الدولة تضطهدهم وتطاردهم لأنهم قابضون على دينهم ويسعون لإشاعة العدل والرحمة.

&وللأمانة فقد نجحوا فى كسب أرضية شاسعة بين البسطاء والمحتاجين إلى أن كشفوا عن حقيقتهم، عقب توليهم الحكم فى مصر مدة قصيرة، حيث أظهروا وجوههم الحقيقية، وبسبب ذلك خسروا جزءا كبيرًا من شعبيتهم خارج اطار أعضاء جماعتهم، وبرجوعهم لما يسمونه الجانب الدعوى فإنهم يرغبون فى استعادة ما خسروه تمهيدا لمعركتهم المقبلة.

&السؤال الثانى: هل قضيتنا مع الإخوان بالأساس فكرية أم شكلية؟&

القضية فكرية بامتياز، فإن افترضنا جدلاً أنهم صادقون فى كلامهم عن فصل الدعوى عن السياسى، فهل هم مستعدون لتغيير الفكر الإخوانى، هذا الفكر المستند لمبدأ النقاء الدينى والانسانى، فهم العارفون بجوهر الإسلام، والآخرون جهلاء، وأنهم جاءوا لهداية المسلمين لصحيح الدين، وتشبثوا بفكر أقطاب التطرف والتكفير. وأذكركم بأن احد القيادات الإخوانية فى الإسكندرية ظهر فى شريط فيديو يدعو الله أن يميته اخوانيا، وآخر أفتى بأنه لا يجوز للاخوانية الاقتران بشخص غير اخوانى، وقالوا بعد توليهم السلطة فى مصر إنهم أتوا لشغلها 500 عام مقبلة، وبذلوا جهدا لأخونة مفاصل الدولة لتصبح على مقاسهم.

&كذلك فإن الإخوان كارهون ورافضون لمجتمعاتهم وأوطانهم بدليل أنهم يؤسسون مجتمعا منفصلا ومنعزلا عن محيطهم الاجتماعى الذى يعتبر من الأغيار فى نظرهم، فهل هم على استعداد للاندماج فى المجتمع، واحترام الوطن الذى يكيدون له ويعملون على ايذائه باستمرار، ويتشفون فى مصائبه وكوارثه؟

&الظاهر حتى ساعتنا هذه أنهم ليسوا مستعدين، وتابع ما يقوله القرضاوى ضد مصر، فى الوقت الذى لا يسمح فيه للهواء العليل بأن يجرح خد أردوغان تركيا، وهو مشارك فى عملية الخداع مع الغنوشى بحكاية دعوته ــ بالتلميح لا بالتصريح ــ للقيادات المتشددة فى الجماعة لترك مناصبهم للشباب الذين ضجوا من سوء ادارتهم واضرارهم بالجماعة، وللتذكير فقط فإن القرضاوى صرح فى وقت سابق بأن البغدادى الذى نصب نفسه خليفة للمسلمين كان اخوانيا فى مطلع شبابه، اى أنه تشرب التكفير، وبقية أفكاره الشاذة الخارجة على اسس الإسلام من الإخوان، ولم ينف القرضاوى حتى الآن أنه قال هذا الكلام.

&السؤال الثالث: الغنوشى «74 عاما» تحدث مطولا عن الديمقراطية الإسلامية، وممارسة السياسة وفقا لاصولها بعيدا عن الدين، عظيم جدا، لكن كيف يتسق حديثه عن الديمقراطية والتجديد وهو متحكم فى حركة النهضة وتوجهاتها، منذ تأسيسها فى 1972 وحتى يومنا هذا، وتم منحه رخصة للترشح لكل المناصب المهمة فى تونس بما فيها الرئاسة، فهل تلك تصرفات تشى بأن حديثهم عن الديمقراطية والعمل السياسى نابع من ايمان واقتناع أصيل بجدواها؟

&تلك لعبتهم الجديدة الخداعة لإلهائنا، فانتبهوا ياأولى الألباب.