&علي الخشيبان

لا تبدو القضية السياسية في العراق وسورية تحديداً سهلة الفهم فالرسالة السياسية الغربية بين بغداد ودمشق هي رسالة نظام عالمي يجتاح الشرق الأوسط، كما انه ليس من السهل قراءة هذه الرسالة بصمت وبعيداً عن أسماع الشعوب الإسلامية بطوائفها الرئيسة، كما انه ليس من السهل تجاوزها دون قراءة عميقة، المشهد السياسي في المنطقة يتجه إلى صعود المواجهات الطائفية وتحديداً بين السنة والشيعة، لذلك فإن القدرة على ضبط النفس قد لا تتمكن من الثبات للسنوات القادمة، حقيقة المشهد السياسي هو ذات المشهد الذي حدث في الأيام الأولى للإسلام عندما فقد المسلمون نبيهم الكريم نشأ في ذات الوقت صراع سلطوي وضع في إطار ديني أنتج وبشكل تدريجي الأزمة الطائفية فتحول الإسلام إلى (سنة وشيعة).

عبر تاريخنا الطويل لم نستطع أن نوفر تعايشاً مقبولاً بين الطوائف الإسلامية، لهذا السبب امتد الصراع الطائفي وهو العنوان الحقيقي لما يحدث حالياً في سورية والعراق وأطراف الخليج، لذلك يأتي هذا السؤال المهم لما يجب أن نعمله وما الذي يجب أن نتجنبه في النظام العالمي الجديد فيما يخص الشرق الأوسط..؟ تاريخنا متخم بالصراع في جوانبة الطائفية وكلما سنحت فرصة لأحد الطرفين هجم على الآخر وفق مرئيات متفاوتة، التراث مليء بالأزمات الطائفية، مما أنتج عددا كبيرا من المواجهات بين السنة والشيعة، وعددا أكبر من المواجهات الفكرية التي أنتجت آلاف الكتب والرسائل المتضادة.

في الحقيقة أن أزمة الإسلام السياسي هو من تشكل في إطاره هذا الصراع المحتدم بين طوائف الإسلام، وهذا ما يطرح السؤال التالي هل يمكن بناء منظومة تعايش يمكن من خلالها بناء نموذج إسلامي يتكيف مع بعضه..؟ الواقع يقول إن هذا السؤال كررنا طرحه تاريخياً ولسنوات طويلة لأن فهمنا للتعايش فهم منقسم الى عدة أقسام، والسبب ان السياسة تنظر وبشكل مختلف لفكرة التعايش، والشعوب لديها رؤية مختلفة، وعلماء الدين ومفكروه لديهم نظرة مختلفة، وتوحيد هذه الرؤى هو المستحيل الأكبر في الصراع الطائفي في الظاهرة الإسلامية.

إذاً القضية الطائفية هي نتاج للإسلام السياسي، والتشدد والتطرف هو نتاج للإسلام السياسي، والإرهاب هو نتاج للإسلام السياسي، وهذا يعني أن محور أزمات الشرق الأوسط تكمن في ظاهرة الإسلام السياسي، ولو استعرضنا بشكل دقيق المشكلات التي تعصف بالعالم الإسلامي بجميع أشكالها فسوف نجدها ذات علاقة مباشرة بالإسلام السياسي ومنتجاته، هذه النتيجة تعطينا الفرصة للتفكير بطريقة مختلفة حول واقع المسلمين، وهذا يطرح سؤالاً مهماً يقول: هل المسلمون اليوم نتاج الإسلام كعقيدة أم هم نتاج الإسلام السياسي كظاهرة..؟، في الواقع انه من الظلم للدين الإسلامي كعقيدة ذات إطار محدد من العبادات والقيم والسلوك، أن نقول إن المسلمين الذين نراهم اليوم هم نتاج عقدي مباشر، فما نشهده اليوم ان منتجات الإسلام كعقيدة محدودة جداً ومحصورة في فئات من المسلمين الذين عزلوا أنفسهم عن الظاهرة الإسلاموية (الإسلام السياسي) الأكثر انتشارا بين الشعوب.

بلغة اكثر دقة نستطيع القول بأن منتجات الإسلام عبر تاريخه الطويل غلب عليها سيطرة ظواهر الإسلام السياسي، فعلى سبيل المثال في العراق وسورية تكمن أزمتنا الكبرى في الصراع السني الشيعي وفي الكيفية التي يمكن من خلالها أن نستل شعرة الإسلام من داعش الإرهابية ذات المذهب السني ومن الحشد الشعبي والجيش العراقي وإيران من اتباع المذهب الشيعي..!، لقد أصبح المسلمون مضطرين وبشكل تلقائي أن يمارسوا التطرف في موقفهم من بعضهم فالشيعي مع أنصاره والسني كذلك بينما هم يشتركون في منتج واحد هو الإسلام، إذاً نستطيع القول إن سبب تدهور الحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في العالم الإسلامي انه لا يوجد منتج عقدي للإسلام يشكل الأغلبية الساحقة بين المسلمين وكل ما بين أيدينا هو منتج لظاهرة الإسلام السياسي فرقتنا على أساس مواقفنا من أفراد أتوا بعد وفاة الرسول عليه السلام.

السؤال الذي شكل عنوان هذه المقالة يتحدث عن الدور المحتمل تجاه النظام العالمي الجديد في الشرق الأوسط وما يجب أن نعمله وما يجب ان نتجنبه..؟، هذا السؤال وبقدر أهميته فهو بالغ التعقيد جدا، ولا يمكن التعامل معه ببساطة لأنه من المستحيل مواجهة شعوب الشرق الأوسط المسلمة بهذه الحقائق، لذلك فالإصلاح الحقيقي للمجتمعات المسلمة يبدأ بإعادة تأسيس الإسلام العقدي وتنقيته من آثار الإسلام السياسي ولكن هذه الفكرة تبدو مثالية في ظل ما يحدث اليوم، ولكن التاريخ وخاصة تاريخ الأديان السماوية يؤكد دائماً انه في لحظة من اللحظات يتم التغيير ودفع الثمن مهما كان، وتعود الأديان الى منطلقاتها الأولى لتنتج المظاهر العقدية في المجتمعات كبديل عن كل الأخطاء التاريخية التي تم ارتكابها في الماضي.

النظام العالمي الذي يحاول علاج مشكلات الشرق الأوسط هو يتدخل في الأسباب ولا يبحث عن مسبباتها فما يهمه في الشرق الأوسط هو المنتج الذي يتشكل أمامه، ومع كل أسف أن المنتج الذي يتعامل معه النظام العالمي الجديد منتج تتشكل عناصرة من مكونات إسلامية من ظواهر طائفية وظواهر متطرفة وظواهر إرهابية، وكل هذه يؤمن الجميع بأنها منتجات الإسلام السياسي، ولكي يستطيع كل منا إثبات هذه الحقيقة فما عليه سوى استعراض موقفه الشخصي من هذه القضايا وسوف يكتشف أن جميع مواقفه تجاه الطائفية والإرهاب والأممية والصحوة والخلافة كلها مواقف ليست عقدية في حقيقتها بل مواقف ذات علاقة بالإسلام السياسي الذي استطاع عبر تاريخ طويل تغذية التراث كي يقود الفكر الإسلامي إلى فكرة سياسية راسخة في المنتج الشعبي الإسلامي وسوف تستمر.

الأزمة التي نقف في وسطها كمسلمين تتفاقم وتتجه نحو حقيقة واحدة ألا وهي المواجهة وهذه المواجهة بين طوائف الإسلام ومكوناته الفكرية والمذهبية ليست المرة الأولى في تاريخ المسلمين، فهناك الكثير من الأحداث التي صنعت وكرست مقومات الصراع بين مكونات الدين الواحد، إن دول الشرق الأوسط يقع عليها عبء كبير في تغيير منتجات الإسلام وخاصة التركيز على البعد العقدي العادل وهذا يتطلب منها وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً، كما ان عليها أن تؤجل المواجهه بين طوائف الإسلام قدر الإمكان لأن حل القضية لا يكمن في أروقة السياسة بقدر ما يكمن في رغبة الشعوب بهدف التخلص من تلويث الإسلام بالسياسة ولو تدريجياً، فهناك فقط سوف نكتشف للمرة الأولى أن الإسلام له لون وطعم مختلف عن ذلك الطعم الذي اعتدنا على تذوقه عشرات القرون.