&عبدالله السويجي

في الحادي عشر من يونيو القادم يكون قد مر عامان على احتلال تنظيم «داعش» لمدينة الموصل، التي تعد ثاني أكبر المدن العراقية، والتي أثار سقوطها خلال أربعة أيام تساؤلات كثيرة لم تجد لها إجابات حتى الآن، سوى اتهامات متبادلة بين قوات حماية المدينة والقيادة العسكرية، ولغط كثير أثير دون الوصول إلى تصور واضح، وكل ما قيل أن الأوامر التي صدرت للقوات التي كانت تحارب داخل المدينة لم تكن دقيقة، حتى جاءت الأوامر بانسحاب ما تبقى من الجنود، وكانت مكاسب «داعش» تفوق الخيال، إذ استولى تنظيم «داعش» على 2300 مدرعة حربية وعتاد كثير يكفي لبناء جيش كبير.

السقوط السريع لمدينة الموصل، واللغز الذي رافقها يشبه الصعود الصاروخي لتنظيم «داعش»، من خلايا قليلة نائمة ومجموعة من المقاتلين في العراق، إلى تنظيم يحكم عشرات الآلاف من الكيلومترات المربعة في العراق وسوريا يسكنها نحو عشرة ملايين نسمة. هذا الصعود الذي جعل من تنظيم «داعش» أكبر وأغنى تنظيم إرهابي على مر التاريخ، لا يزال محيراً، وحين يجري الحديث عنه يتم توجيه اتهامات لأطراف كثيرة من بينها دول وأجهزة استخبارات عربية وأجنبية.

وبمناسبة مرور عامين على احتلال مدينة الموصل الذي أدى إلى صعود نجم «داعش»، لا بأس من قراءة بعض التقارير التي تحدّثت عن نشوء التنظيم نفسه:

موقع «راقب الإلكتروني» نشر تقريراً منقولاً عن مجلة «دير شبيغل» الألمانية بتاريخ 18 إبريل 2015، تحدث فيه عن وثائق بخط اليد لرجل اسمه سمير عبد محمد الخليفاوي، وهو عراقي الجنسية، ولم يكن معروفاً بهذا الاسم، ولا باسمه الحركي «حجي بكر»، وكان العقل المخطط لنشأة تنظيم «داعش». وقد كان عقيداً سابقاً في مخابرات الدفاع الجوية لصدام حسين، وكان يعمل على إنشاء الدولة الإسلامية في السر، وتشير المجلة إلى أن المعلومات التي حصلت عليها بخصوص الدولة مستقاة من المقاتلين المنشقّين ومجموعات البيانات التي تمت مصادرتها من إدارة الدولة الإسلامية الداخلية في بغداد. إلا أن كل ذلك لم يقدم تفسيراً للصعود الصاروخي للتنظيم إلى الشهرة قبل أن تكبح الضربات الجوية في أواخر صيف عام 2014 مسيرتها الناجحة. و«قد أتاحت وثائق «حجي بكر» الفرصة لأول مرة لاستنباط الاستنتاجات عن تنظيم قيادة الدولة الإسلامية وعن دور المسؤولين في حكومة الديكتاتور السابق صدام حسين فيها، والأهم من ذلك كله أنها بيّنت كيف تم التخطيط للاستيلاء على شمالي سوريا ، ما مهّد الطريق أمام المجموعة للوصول إلى العراق. إضافة إلى ذلك اتضح بعد أشهر من البحث الذي قامت به «شبيغل» في سوريا أن تعليمات «حجي بكر» قد تم تنفيذها بدقة متناهية حسبما بيّنت الوثائق الجديدة التي حصلت عليها المجلة حصرياً.

وتشير معلومات أخرى منشورة في موقع «الرقة تُذبح بصمت» بتاريخ 6 يناير 2015، عن العقيد «حجي بكر» بأنه اليد اليمنى لأبو بكر البغدادي المعروف بأبو بلال المشهداني، وكان يعمل في إنتاج سلاح كيماوي وتطوير الأسلحة في التنظيم، تسلّم مسؤولية المجلس العسكري للتنظيم وتسلّم عام 2012 وزارة التصنيع العسكري للتنظيم أيضاً، وغادر إلى سوريا لتطوير الأسلحة حيث كان برتبة ضابط طيار، وعمل في بدايات عمله العسكري مع الجيش الإسلامي واعتقل في سجن بوكا، وقُتل في سوريا في شهر يناير/كانون الثاني من عام 2014.

ويتحدث تقرير منشور في موقع «العربية نت» في 11 يونيو 2011، أن تنظيم «داعش» كانت نواته الأولى «دولة العراق الإسلامية» التي تم إعلان تأسيسها في 15 أكتوبر سنة 2006، ثم سقطت عام 2007 وعادت بقوة العامين الأخيرين 2013 و2014. ويذكر التقرير «أما ولاية «داعش» السورية فقد تم إعلان تأسيسها في 10 إبريل سنة 2012، بعد يوم واحد من استتباع فرع القاعدة في العراق على لسان أميره أبو بكر البغدادي لجبهة النصرة بقيادة أبو محمد الجولاني، ولكن الأخير لم يقبل، فحدث انقسام لتضم «النصرة» أغلبية السوريين المقاتلين معها، وينشق عنها 70% من عناصرها المؤسسين ل«داعش» بقيادة مباشرة من البغدادي الذي تولى قيادة التنظيم في إبريل سنة 2010.

وتشير تقارير كثيرة وتصريحات إعلامية لمسؤولين في المعارضة السورية إلى أن للرئيس السوري بشار الأسد ضلعاً في إنشاء «داعش» واستدراج المتطرفين إلى سوريا ليقوموا بمحاربة الجيش الأمريكي في حال واصل الزحف إلى دمشق، إلا أن تقريراً نشر في جريدة «الشرق الأوسط» بتاريخ 3 أغسطس 2014 ينفي أن تكون هناك علاقة مباشرة بين النظام السوري وبين تنظيم «داعش»، ويصف نقاط الالتقاء بأنها مجرد توافق مصالح في فترة زمنية.

من المؤكد أن لغز تنظيم «داعش» سيبقى إلى سنوات طويلة محل بحث وتمحيص ومتابعة من قبل أجهزة الإعلام، وربما أجهزة الاستخبارات أيضاً، خاصة أن التنظيم استطاع استقطاب مقاتلين من 86 دولة منها دول أوروبية وأمريكية، إضافة إلى دول عربية، مع استمرار حالة عدم المواجهة الحقيقية معه ومحاربته، رغم الادعاءت الكثيرة من قبل الولايات المتحدة من أن التنظيم خسر 25 ألف مقاتل و40% من الأراضي التي كان يسيطر عليها، وكذلك رغم ادعاءات روسيا التي تقول إنها دمرت البنية التحتية للتنظيم في الكثير من المواقع. نقول «ادعاءات»، لأن التنظيم لا يزال بعافيته وقوته وقادراً على شن المعارك واحتلال قرى ومناطق.

إن مواجهة «داعش» ليست عسكرية فقط، وإنما يجب اتباع النهج الذي اتبعه «حجي بكر» من اختراق المجتمعات التي يسيطر عليها، وتنويرها واستقطابها، والتغلب على التنظيم ودحره داخلياً.