&سمير السعداوي

لا يمكن الجزم بأن الناجين من القنبلة النووية في هيروشيما الذين التقوا الرئيس الأميركي باراك أوباما يعرفون أن الزائر الأميركي امتنع عن تقديم اعتذار خلال زيارته التاريخية الأولى لمدينتهم الأسبوع الماضي.

هم اعتادوا أن يحضروا متأثرين أي مناسبة تتعلق بالكارثة التي حلّت بالمدينة إبان الحرب العالمية الثانية وتحديداً في 6 آب (أغسطس) 1945... يتذكرون قتلاهم من الأقارب والأصدقاء، والأسوأ معاناة «الأموات الأحياء» الذين أصيبوا في الكارثة.

من الطبيعي أن يتبادر إلى أذهان سكان هيروشيما أن حضور الرئيس الأميركي يقتضي طلب السماح والمغفرة، وأن أحداً منهم لم يسمع ربما من الإعلام الياباني أن أوباما أتى من دون نية الاعتذار، أو أن الذين سمعوا ذلك وأدركوه، أبعدوا من حضور المناسبة التي لم تكن الحكومة اليابانية متحمسة لها في أي حال، فاليابانيون بطبيعتهم انفعاليون ومراسهم ليس سهلاً على الإطلاق.

أما عن عدم اعتذار أوباما عن إسقاط القنبلة في هيروشيما وبعدها (بساعات) في ناغازاكي، وأيضاً عدم اعتذار وزير خارجيته جون كيري عن ممارساته كعسكري أميركي في حرب فيتنام، فأسباب ذلك تكمن في كلمة واحدة هي «السياسة»، بما تعنيه من تفادي الاعتراف بالمسؤولية والتهرب ما أمكن من تبعات تحملها. بهذا المعنى، لا يعود الاعتراف بالخطأ «فضيلة» بل بالعكس... هذا إضافة إلى إصرار الأميركيين على ربط هيروشيما بهجوم اليابانيين على مرفأ بيرل هاربر حين أقدم عشرات الطيارين «الانتحاريين» على تدمير أسطول المحيط الهادىء الأميركي في قاعدته في هاواي في السابع من كانون الأول (ديسمبر) 1941، ما كان سبباً في دخول أميركا الحرب العالمية.

وإذا كان هناك من يسأل عن رابط بين هجومٍ في العام 1941 وآخر في العام 1945، فيجب أن يُحال على سياسيين من نوع المرشح الجمهوري الأبرز للرئاسة الأميركية دونالد ترامب الذي علق عبر «تويتر» على زيارة هيروشيما قائلاً: «هل ناقش الرئيس أوباما عندما كان في اليابان هجوم بيرل هاربر الغادر حيث فقد آلاف الأميركيين أرواحهم؟». وهذا يضاف كذلك إلى تساؤلات بعضهم في الولايات المتحدة، بعد زيارة أوباما هيروشيما، عما إذا كانت لدى رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي خطط لزيارة بيرل هاربر!

بالأمس أيضاً، أحيت ألمانيا وفرنسا ذكرى معركة فردان بينهما إبان الحرب العالمية الأولى. وزار الرئيس فرنسوا هولاند والمستشارة أنغيلا مركل الأحد، مدافن آلاف من جنود البلدين الذين سقطوا في مواجهات استمرت نحو سنة (300 يوم) بين شباط (فبراير) وكانون الأول (ديسمبر) 1916. تبادل الزعيمان عبارات المجاملة ولم يتوقع منهم أحد اعتذارات.

غير أن ثمة كلاماً بالغ الأهمية قاله أوباما في هيروشيما وينبغي التوقف عنده، ذلك أن خطاب الرئيس الأميركي أعدّ على أمل تعزيز أرثه مع اقتراب نهاية ولايته الرئاسية، كمؤيد لعدم انتشار الأسلحة النووية، إلى جانب نيله لقب «أول رئيس أميركي يزور هيروشيما». ومما قاله بعد وقوفه دقيقة صمت حداداً على الضحايا يوم الجمعة الماضي: «جئنا إلى هيروشيما للتفكير في قوة مروّعة أطلقت في ماضٍ ليس ببعيد، وللحداد على الموتى الذين تخاطبنا أرواحهم لمطالبتنا بالنظر إلى داخلنا لإدراك من نكون».

وأضاف وهنا لبّ الكلام: «إن أيّ تقدم تكنولوجي لا يوازيه تقدمٌ للمؤسسات البشرية سيقضي علينا، فالثورة العلمية التي منحتنا قدرة شطر الذرة، تتطلب ثورة أخلاقية أيضاً. لذا نأتي إلى هذا المكان، ونلزم أنفسنا تخيّل لحظة سقوط القنبلة، والشعور بالهلع الذي انتاب الأطفال المرتبكين».

فهل يأتي يومٌ، يمكن معه إسقاط مغزى كلام كهذا على النزاعات؟