حسين شبكشي& &

انطلق الموسم التلفزيوني الرمضاني كعادة كل سنة، وهو يحمل مفاجآت الإنتاج المختلفة. بالنسبة للسعوديين باتت حلقات مسلسل سلفي «أشبه بترمومتر وجهاز قياس» للحالة الاجتماعية للناس بصورة عامة. وقد تعودوا على أن تكون الحلقات الأولى من المسلسل أشبه بالصدمة الكهربائية الصاعقة التي ترمي بأكوام من الحجارة في بحيرة راكدة لتحرك مياهها، ومما يثير الدهشة لدى المشاهد أن الحلقات تثير نفس المشاكل سنة بعد سنة، وإن كانت جرعة الجرأة في ازدياد كبير ولا شك، وهي المسألة التي لاقت استحسانًا وتفاعلاً عريضًا من كل المشاهدين.

في هذا العام أيضًا تألق الكاتب خلف الحربي في تقديم نفس القضايا والمشاكل والعقد الاجتماعية المتمثلة في التمييز بين الناس والتفرقة الطائفية والقبلية والمناطقية والتشدد الاجتماعي والتعصب الديني لدى البعض بشكل لافت ومختلف وصادم أحيانًا وساخر في آن واحد، وهذا هو سر نجاح حلقات المسلسل، مع عدم إغفال قدرة الفنان الممثل ناصر القصبي على لعب أدوار مختلفة باقتدار وإقناع غير عادي، حوّل فيها الشخصيات الجدلية إلى قوالب ساخرة لا يمكن من خلال الأداء إلا أن تتعاطف مع القضية المطروحة بشكل سلس وطبيعي.

المسلسل قدم مرآة حزينة ولكنها تبدو واقعية لكم من العقد والمشاكل والتحديات التي تواجه المجتمع السعودي، وهي بحد ذاتها تحسب له على الطرح الجريء والصادم والدخول في أعماق مسائل شائكة ومعقدة كانت من أهم المحظورات والممنوعات التي كان لا يمكن تخيل طرحها ولا التطرق إليها.

بهذا العمل يقدم الفريق المشرف عليه نموذجًا عمليًا واقعيًا كيف أن الفن الهادف من الممكن أن يكون إحدى أهم أدوات النقد البناء في المجتمع، وكيف أن يشخص الحالات بشكل مجرد وصادق حتى يجد الآليات القانونية للتحرك وتبني الحلول والاقتراحات التي من الممكن أن تكون كفيلة بالعلاج والمساندة في تقليص حجم الكوارث الحاصلة والناتجة عن سنوات من إنكار وجود العلل والعقد هذه، بل وفي حالات كثيرة الدفاع عنها بشراسة واعتبارها جزءًا نفيسًا من التراث الذي يجب الافتخار به والاعتزاز به ومن ثم يجب حمايته. ولكن المجتمع السعودي، مثله مثل سائر المجتمعات، يتعرض لمراجعة ذاتية ونقد ذاتي مع النفس. ولعل هذه الدراما الناجحة إحدى أهم وسائلها، وهي جرعة يتعطش لها الجمهور السعودي العريض بشكل متواصل، وهذه وحدها أكبر شهادة قبول ونجاح للعمل نفسه، مما يجعل الناس تطالب بالمزيد.

&

&

&